ويقول تعالى في آخر آية ،عارضاً لمصداق من رحمته الواسعة ،والتي غفل عنها الكثير من الناس: ( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين ) .
إنّ للأرض في الحقيقة قشرتين متفاوتتين: ( قشرة قابلة للنفوذ ) يدخل فيها الماء ،وأخرى ( غير قابلة للنفوذ ) تحفظ بالماء ،وجميع العيون والآبار والقنوات تولّدت من بركات هذا التركيب الخاصّ للأرض ،إذ لو كانت القشرة القابلة للنفوذ لوحدها على سطح الكرة الأرضية جميعاً ولأعماق بعيدة ،فإنّ جميع المياه التي تدخل جوف الأرض لا يقرّ لها قرار ،وعندئذ لا يمكن أن يحصل أحد على قليل من الماء .ولو كانت قشرة الأرض غير قابلة للنفوذ لتجمّعت المياه على سطحها وتحوّلت إلى مستنقع كبير ،أو أنّ المياه التي تكون على سطحها سرعان ما تصبّ في البحر ،وهكذا يتمّ فقدان جميع الذخائر التي هي تحت الأرض .
إنّ هذا نموذج صغير من رحمة الله الواسعة يتعلّق بموت الإنسان وحياته .
«معين » من مادّة ( معن ) ،على وزن ( طعن ) بمعنى جريان الماء .
وقال آخرون: إنّها مأخوذة من ( عين ) والميم زائدة .لذا فإنّ بعض المفسّرين ذهبوا إلى أنّ معنى ( معين ) تعني الماء الذي يشاهد بالعين بغضّ النظر عن جريانه .إلاّ أنّ الغالبية فسّروه بالماء الجاري .
وبالرغم من أنّ الماء الصالح للشرب لا ينحصر بالماء الجاري ،إلاّ أنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ الماء الجاري يمثّل أفضل أنواع ماء الشرب ،سواء كان من العيون أو الأنهار أو القنوات أو الآبار المتدفّقة ..
ونقل بعض المفسّرين أنّ أحد الكفّار عندما سمع قوله تعالى: ( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين ) قال: ( رجال شداد ومعاول حداد ) وعند نومه ليلا نزل الماء الأسود في عينيه ،وفي هذه الأثناء سمع من يقول: إأتي بالرجال الشداد والمعاول الحداد ليخرجوا الماء من عينيك .
ومن الواضح أنّه في حالة عدم وجود القشرة الصلبة وغير القابلة للنفوذ ،فإنّه لا يستطيع أي إنسان قوي ولا أي معول حادّ أن يستخرج شيئاً من الماء{[5374]} .
/خ30