ثمّ يشير تعالى إلى جهد هؤلاء المتواصل في إقناع الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بمصالحتهم والإعراض عن آلهتهم وضلالهم فيقول: ( ودّوا لو تدهن فيدهنون ) .
إنّ من أمانيهم ورغبتهم أن تلين وتنعطف باتّجاههم ،وتغضّ الطرف عن تكليفك الرسالي من أجلهم .
ونقل المفسّرون أنّ هذه الآيات نزلت حينما دعا رؤساء مكّة وساداتها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للسير على نهج أجدادهم في الشرك بالله وعبادة الأوثان ،وقد نهى الله تعالى رسوله الكريم عن الإستجابة لهم وإطاعتهم{[5381]} .
ونقل البعض الآخر أنّ ( الوليد بن المغيرة ) وكان أحد زعماء الشرك قد عرض على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أموالا طائلة ،وحلف أنّه سيعطيها ل ( محمّد ) إذا تخلّى عن مبدئه ودينه{[5382]} .
والذي يستفاد من لحن الآياتبصورة واضحةوممّا جاء في التواريخ ،أنّ المشركين الذين أعمى الله بصيرتهم ،عندما شاهدوا التقدّم السريع للإسلام وانتشاره ،حاولوا إعطاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعض المكاسب في مقابل تقديم تنازلات مماثلة ،في محاولة لترتيب نوع من الصلح معه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .وهذا هو منهج أهل الباطلدائماًفي الظروف والأحوال التي يشعرون فيها أنّهم سيخسرون كلّ شيء ويفقدون مواقفهم ،لذا فإنّهم اقترحوا عليه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إعطاءه أموالا طائلة ،كما اقترحوا تزويجه بأجمل بناتهم ،كما عرضوا عليه جاهاً ومقاماً وملكاً بارزاً ،وما إلى ذلك من أمور كانوا متعلّقين بها ومتفاعلين معها ومتهالكين عليها ،ويقيسون الرّسول بقياسها » .
إلاّ أنّ القرآن الكريم حذّر الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مراراً من مغبّة إبداء أي تعاطف مع عروضهم واقتراحاتهم الماكرة وأكّد على عدم مداهنة أهل الباطل أبداً .
كما جاء في قوله تعالى: ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتّبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) .
«يدهنون » من مادّة ( مداهنة ) مأخوذة في الأصل ( الدهن ) وتستعمل الكلمة في مثل هذه الموارد بمعنى إظهار اللين والمرونة ،وفي الغالب يستعمل هذا التعبير في مجال إظهار اللين والميل المذموم كما في حالة النفاق .
ثمّ ينهى سبحانه مرّة أخرى عن اتّباعهم وطاعتهم ،حيث يسرد الصفات الذميمة لهم ،والتي كلّ واحدة منها يمكن أن تكون وحدها سبباً للابتعاد عنه والصدود عن الاستجابة لهم .
/خ16