قوله تعالى:{وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} .
ذكر القرطبي لمعاني المداهنة فوق عشرة أقوال أرجحها الملاينة ،وقد ذكر هنا ودادتهم وتمنيهم المداهنة ،ولم يذكر لنا هل داهنهم صلى الله عليه وسلم أم لا ؟وهل يريدون بذلك مصلحة أم لا ؟
وقد جاء بيان ذلك مفصلاً بأنهم أرادوا التدرج من المداهنة وملاينته صلى الله عليه وسلم معهم ،إلى ما بعدها من تعطيل الدعوة .
وقد رجح ابن جرير ذلك بقوله: ود هؤلاء المشركون يا محمد لو تلين لهم في دينك ،بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم ،فيلينون لك في عبادتك إلهك ،كما قال جل ثناؤه:{وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً} [ الإسراء: 74]ا ه .
ويشهد لما قاله ابن جرير هذا ما جاء في سبب نزول سورة الكافرون .
فأنزل الله تعالى{قُلْ يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} [ الكافرون: 1 -3] السورة .
ومما هو صريح في قصدهم بالمداهنة والدافع عليها والجواب عليهم ،قد جاء موضحاً في قوله تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [ البقرة: 109] ،ثم قال تعالى مبيناً موقف الرسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه المحاولة بقوله:{فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِي اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [ البقرة: 109] .
وقد جاء الله بأمره حكماً بينه وبينهم ،وهنا يمكن أن يقال: إن كل مداهنة في الدين مع المشركين تدخل في هذا الموضوع .