/م27
والآية بعدها تحذر المسلمين ليجتنبوا الماديات والمنافع العابرة ،لئلا تلقى على عيونهم وآذانهم غشاء فيرتكبون خيانة تعرّض المجتمع إِلى الخطر فتقول: ( واعلموا إنّما أموالكم وأولادكم فتنة ) .
وكلمة «فتنة »كما ذكرناتأتي في مثل هذه الموارد بمعنى وسيلة الامتحان ،والحقيقة أنّ أهم وسيلة لامتحان الإِيمان والكفر والشخصية وفقدانها ،وميزان القيم الإِنسانية للأفراد هو هذان الموضوعان ( المال والأولاد ) .
فكيفية جمع المال وكيفية إنفاقه ،والمحافظة عليه و ميزان التعلق به ،كل تلك ميادين لامتحان البشر ،فكم من أناس يلتزمون بظاهر العبادة وشعائر الدين ،حتى المستحبات يلتزمون بشدّة في أدائها ،لكنّهم إذا ما ابتلوا بقضية مالية ،تراهم ينسون كل شيء ويدعون الأوامر الإِلهية ومسائل الحق والعدل والإِنسانية جانباً .
أمّا عن الأبناء فهم ثمار قلب الإِنسان وبراعم حياته المتفتحة ،ولهذا نجد الكثير من الناس المتمسكين بالدين والمسائل الأخلاقية والإِنسانية ،لا يراعوا الحق والدين بالنسبة للمسائل المتعلقة بمصلحة أبنائهم ،فكأنّ ستاراً يلقى على أفكارهم فينسون كل الأُمور ،ويصير حبّهم لأبنائهم سبباً ليحُلُّوا الحرام ويحرموا الحلال ،ومن أجل توفير المستقيل لأبنائهم يستحقون كل حق ويقدمون على كل منكر ،فيجب علينا الاعتصام بالله العظيم في هذين الميدانين العظيمين للامتحان ،وأن نحذر بشدّة ،فكم من الناس زلت أقدامهم وسقطوا فيهما ،وظلت لعنة التأريخ تلاحقهم أبداً بذلك .فإذا زلت لنا قدم يوماً ،فيجب علينا الإِسراع في تصحيح المسير ك ( أبي لبابة ) وإذا كان المال هو السبب في الانحراف ،فعلينا بذله وإنفاقه في سبيل الله .
وفي نهاية الآية بشارة كبرى لمن يخرج من هذين الامتحانين منتصراً ،فتقول: ( وإنّ الله عنده أجر عظيم ) .
فمهما كان حبّ الأبناء كبيراً ،ومهما كانت الأموال محبوبة وكثيرة ،فإنّ جزاء الله وثوابه أعلى وأعظم من كل ذلك .
وهنا تثارُ أسئلة كثيرة ،منها: لماذا يمتحن الله الناس مع إحاطته العلمية بكل شيء ؟ولماذا يكون الامتحان شاملا للجميع حتى الأنبياء ؟وما هي مواد الامتحان الإِلهي وما هي السبل للتغلب عليها ؟وقد أجبنا على كل تلك الأسئلة في المجلد الأُولى من التّفسير الأمثل .