/م64
التّفسير
مؤامرة أُخرى للمنافقين:
لاحظنا في الآيات السابقة كيف أنّ المنافقين اعتبروا نقاط القوّة في سلوك النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) نقاط ضعف ،وكيف حاولوا استغلال هذه المسألة من أجل بثّ التفرقة بين المسلمين .وفي هذه الآيات إِشارة إِلى نوع آخر من برامجهم وطرقهم .
فمن الآية الأُولى يستفاد أنّ الله سبحانه وتعالى يكشف الستار عن أسرار المنافقين أحياناً ،وذلك لدفع خطرهم عن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفضحهم أمام الناس ليعرفوا حقيقتهم ،ويحذروهم وليعرف المنافقون موقع أقدامهم ويكفّوا عن تآمرهم ،ويشير القرآن إلى خوفهم من نزول سورة تفضحهم وتكشف خبيئة أسرارهم فقال: ( يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم ) .
إِلاّ أنّ العجيب في الأمر أن هؤلاء ولشدة حقدهم وعنادهم لم يكفّوا عن استهزائهم وسخريتهم ،لذلك تضيف الآية: بأنّهم مهما سخروا من أعمال النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) فإن الله لهم بالمرصاد وسوف يظهر خبيث أسرارهم ويكشف عن دنيء نيّاتهم ،فقال: ( قل استهزؤوا إِن الله مخرج ما تحذرون ) .
تجدر الإِشارة إِلى أنّ جملة ( استهزؤوا ) من قبيل الأمر لأجل التهديد كما يقول الإِنسان لعدوّه: اعمل كل ما تستطيع من أذى وإِضرار لترى عاقبة امرك ،ومثل هذه الأساليب والتعبيرات تستعمل في مقام التهديد .
كما يجب الالتفات إِلى أنّنا نفهم من الآية بصورة ضمنية أنّ هؤلاء المنافقين يعلمون بأحقية دعوة النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصدقها ،ويعلمون في ضميرهم ووجدانهم ارتباط النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالله سبحانه وتعالى ،إلاّ أنهم لعنادهم وإِصرارهم بدل أن يؤمنوا به ويسلموا بين يديه ،فإنّهم بدأوا بمحاربته وإضعاف دعوته المباركة ،ولذلك قال القرآن الكريم: ( يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم ) .
وينبغي الالتفات إِلى أنّ جملة ( تنزل عليهم ) لا تعني أن أمثال هذه الآيات كانت تنزل على المنافقين ،بل المقصود أنّها كانت تنزل في شأن المنافقين وتبيّن أحوالهم .