المفردات:
بواد: الوادي: كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذا للسيل .والمراد به هنا: ما يحيط بالبيت الحرام .
تهوي إليهم: تسرع إليهم شوقا وحبا .يقال: هوى إليه يهوي هويا بضم الهاء ؛إذا أسرع في السير .
التفسير:
{ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ...} .
عندما ترك إبراهيم هاجر ،وابنها إسماعيل ،وهو رضيع ؛ليقيما في وادي مكة ،وليس بمكة في ذلك الوقت زرع ولا ماء ،ثم اتجه إبراهيم إلى ربهوقلبه يتحرق إشفاقا على زوجته وابنهفقال:
{ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم} .
أي: ربنا إني استجابة لأمرك ؛أسكنت بعض ذريتي ،بواد لا ماء فيه ولا زرع ،عند المكان الذي أعدته لبيتك المحرم ،رغبة في جوار بيتك ،وأملا في رعايتك وفضلك لهم .
{ربنا ليقيموا الصلاة} .أي أسكنتهم بجوار بيتك المحرم ؛ليتفرغوا لإقامة الصلاة في جوار بيتك ،وليعمروه بذكرك وطاعتك ،ودلت هذه الآية: أن الصلاة بمكة أفضل من الصلاة في غيرها .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد ،إلا المسجد الحرام ،وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة )29 .
{فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} .
أي: حرك الرغبة في قلوب بعض الناس ،من المؤمنين ؛لتشتاق لزيارة هذا البيت ،وقد استجاب الله أيضا لهذه الدعوة ،وإنك لترى عجبا في موسم الحج ،وفي شهر رمضان ،بل وفي سائر شهور العام ؛مئات وآلاف من الناس ،يقدمون معتمرين وحاجين وزائرين ،وطائفين وراكعين وساجدين ،ومعتكفين بهذا البيت العتيق ،وقد استقر في قلوبهم الإيمان والتبتل ،وظهر على وجوههم الصلاح وسيما العبادة .
{وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} .
أي: وارزق من تركتهم وديعة في جوار بيتك ،من الثمرات المختلفة ما يغنيهم ويشبعهم ؛لعلهم بهذا العطاء الجزيل ؛يزدادون شكرا لك ،ومسارعة في طاعتك وعبادتك .
وقد استجاب الله دعاء إبراهيم فجعل البيت الحرام حرما آمنا ،تجبى إليه ثمرات كل شيء ؛رزقا من لدنه .
وترى في البيت الحرام ،وحوله في مكة أم القرى أعجوبة الأعاجيب ،وهي اجتماع الفواكه المختلفة الأزمان من الربيعية والصيفية والخريفية والشتوية في يوم واحد ،وبجودة متميزة ،وكثرة كافية ،في بلد غير ذي زرع ،وتجبى إليه الثمار من الشرق والغرب ؛ليصبح من أغنى البلاد بالثمار والخيرات ،وسائر صنوف النعم .
ولقد كان من آثار دعوة إبراهيم عليه السلام ،أن هاجر عندما نفذ الماء منها ورأت رضيعها يتلوى من العطش ،صعدت على الصفا تبحث عن قادم ،ثم انطلقت إلى المروة باحثة عن قادم من البشر ،وكررت ذلك سبع مرات ،وجعل ذلك من مناسك الحج ؛تخليدا لذكرى هاجر ،ثم أرسل الله ملاكا ،فحفر عند زمزم حتى ظهر الماء ؛فشربت وأرضعت ولدها ،فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة ،فإن هاهنا بيت الله ،يبنيه هذا الغلام وأبوه ،وأن الله لن يضيع أهله ،ثم إنه مرت بهم رفقة من قبيلة جرهم ؛فقالوا لأم إسماعيل: أشركينا في مائك ؛نشركك في ألباننا ؛ففعلت ،فلما أدرك إسماعيل عليه السلام زوجوه امرأة منهم .
وقد زار إبراهيم عليه السلام ولده إسماعيل ،فوجده قد خرج للصيد ،ووجد زوجته شاكية متبرمة بالحياة معه ،فقال لها: إذا جاء إسماعيل ؛قولي له: الشيخ يقرئك: السلام ،ويطلب منك أن تغير عتبة الدار ؛فقال إسماعيل هذا أبي وقد أمرني أن أطلقك ؛فطلقها إسماعيل وتزوج امرأة أخرى ،ولما زاره إبراهيم وجد زوجة راضية قانعة مؤمنة ،فقال لها: قولي لإسماعيل: ثبت عتبة الدار ،فقال لها إسماعيل: ذاك أبي وقد أمرني ألا أطلقك30 .