/م90
المفردات:
العهد: كل ما يلتزم به الإنسان باختياره ،والوفاء بالعهد لفظ عام لجميع ما يعقد باللسان ،ويلتزمه الإنسان من بيع أو صلة ،ويدخل فيه الوعد .
توكيدها:توثيقها وتغليظها .
نقض اليمين: الحنث فيها .
كفيلا:شاهدا ورقيبا .
{وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون} .
تدعو هذه الآية إلى: الوفاء بالعهود ،وعدم الحنث في الأيمان ،وهي في جملتها داخلة في الآية السابقة ،لكن القرآن أفرد الوفاء بالعهد نصا في آية مستقلة ؛لما له من أهمية في حياة الفرد والمجتمع ،فإذا حافظ الفرد والمجتمع على العهود والمواثيق ؛ أدى ذلك إلى الأمن والأمان ،ونعم الناس بالهدوء والاطمئنان .
أخرج ابن جرير في أسباب نزول الآية:أن الآية نزلت في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم ،كان من أسلم يبايع على الإسلام فقال تعالى:{وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} .
فلا تحملنكم قلة محمد وأصحابه ،وكثرة المشركين ،أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام ،وإن كان في المسلمين قلة وفي المشركين كثرة .
ومعنى الآية:
أوفوا بالعهد والميثاق ،الذي أوجبتموه على أنفسكم ،حقا لمن عاهدتموه وواثقتموه عليه ،ويدخل في ذلك كل عهد يلتزمه الإنسان باختياره ،والوعد من العهد .
قال ميمون بن مهران:
من عاهدته وفّ بعهده ،مسلما كان أو كافرا ،فإنما العهد لله تعالى .
{ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا} .
لا يليق بالرجل أن يخلف وعده أو يحنث في عهده ،وكانوا يوثقون عهدهم بالأيام ،وإشهاد الله تعالى ،فأمرهم الله ألا يفكوا ارتباطاتهم ،وألا يحنثوا في أيمانها ،وقد أشهدتم الله على أيمانكم ،وجعلتموه راعيا وكفيلا يرعى الموفى للعهد بالخير ،والناقض له بالجزاء والعقاب .
{إن الله يعلم ما تفعلون} .
فهو سبحانه يشاهد عقودكم وعهودكم وأفعالكم ،سيجازيكم ويكافئكم على الوفاء ،ويعاقبكم على الحنث في الأيمان وعلى نقض العهود ،وقد أكد القرآن الكريم والسنة الصحيحة:احترام العهود والوفاء بها .
قال تعالى:{إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما} ( الفتح:10 ) .
وقال تعالى:{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} ( الفتح:18 ) .
وقال تعالى:{وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا}( الإسراء:34 ) .
وقال سبحانه:{وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون} ( البقرة:40 ) .
وروى الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( آية المنافق ثلاث:إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ،وإذا اؤتمن خان ) ، ولا تعارض بين هذه الآية وبين ما ورد في الصحيحين من أن: "من حلف على يمين ورأى غيرها خير منها ؛ فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه "58 .
فالآية تتحدث عن الوفاء بوجه عام ،وتأمر بالالتزام بالأيمان والبر بها بين الأفراد والجماعات ،والحديث يتحدث عن إنسان يقسم على شيء ثم يرى غيره خيرا منه ،فالآية عامة في نهيها عن نقض الأيمان ،والسنة الصحيحة خصصت هذا النعيم ،وأباحت النقض إذا كان اليمين مانعا عن عمل خير ،ويؤيد هذا التخصيص قوله تعالى:{ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس ...} .