{إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله ...}
/م172
المفردات:
وما أهل به لغير الله: أي ما ذبح مذكور عليه اسم الله ،وأصل الهلال: رفع الصوت عند رؤية الهلال ،ثم أطلق على رفع الصوت مطلقا ،ومنه إهلال الصبي عند الولادة .
فمن اضطر غير باغ: فمن أجبرته الضرورة على تناول شيء مما ذكر لإنقاذ نفسه من الهلاك غير ظالم لغيره .
ولا عاد: ولا معتد بتجاوزه ما يمسك الرمق ويدفع الجوع .
التفسير:
والميتة تأباها النفس السليمة ،وكذلك الدم ،فضلا عما أتبته الطب بعد فترة طويلة من تحريم القرآن والتوراة قبله بإذن اللهمن تجمع المكروبات والمواد الضارة في الميتة والدم .ولا ندري إن كان الطب الحديث قد استقصى ما فيهما من الأذى أم أن هناك أسبابا أخرى للتحريم لم يكشف عنها بعض الناس .
ويستثنى من تحريم الميتة السمك والجراد ،لما أخرجه ابن ماجه والحاكم من حديث ابن عمررضي الله عنهمامرفوعا: «أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال » .
والدم المحرم: ما يسيل من الحيوان الحي كثيرا كان أم قليلا ،وكذلك يحرم من دم الحيوان ما جرى منه بعد تذكيته ،وهو الذي عبر عنه القرآن بالمسفوح عن قوله تعالى: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إل أن يكون ميتة أو دما مسفوحا( الأنعام: 145 ) .
والدم المسفوح هو الدم الجاري المهراق من البهيمة بعد ذبحها .أما الدم المتبقي في أجزاء لحم البهيمة بعد تذكيتها فلا شيء فيه .
قال القرطبي: وأما الدم فمحرم ما لم تعم به البلوى ،ومعفو عما تعم به البلوى ،والذي تعم به البلوى هو الدم في اللحم وعروقه .
«لحم الخنزير » وحرمة الخنزير شاملة للحمه وشحمه وجلده ،وإنما خص لحمه بالذكر لأنه الذي يقصد بالأكل ،ولأن سائر أجزاء الخنزير كالتابعة للحمه .
ومن الحكم في تحريم لحم الخنزير قذارته ،واشتماله على دودة تضر ببدن آكله ،وربما كان لتحريمه حكم أخرى لا تزال مجهولة لنا .
وما أهل به لغير الله: أي ما ذبح ،وقد ذكر عليه اسم غير الله ،وإذا كانت المحرمات السابقة قد حرمت لخبث ذاتها ،فما ذكر اسم غير الله عليه ،حرم لخبثه معنويا ،فقد ذكر اسم غير خالقه المنعم به عند ذبحه ولولا ذلك لكان حلالا .
وسمي الذكر إهلالا: لما فيه من الإهلال ،أي رفع الصوت عند رؤية الهلال ،ثم استعمل لرفع الصوت مطلقا ،ومنه إهلال الصبي ،والإهلال بالحج ،وكانوا في الجاهلية إذا أرادوا ذبح ما قربوه إلى آلهتهم سموا عليها أسماءها «كاللات والعزى » ورفعوا بها أصواتهم ،وسمي ذلك إهلالا .فالمراد بما أهل به لغير الله هو ما ذبح للأصنام وغيرها .
وذهب عطاء والحسن ومكحول والشعبي وسعيد بن المسيب إلى تخصيص التحريم بما ذكر عليه اسم الصنم ،ولهذا أباحوا ذبيحة النصراني إذا ذكر عليها اسم المسيح ،وقد خالفوا بذلك ظاهر النص ،وما عليه الجمهور من التحريم ،وقد شمل حكم الآية ذبيحة الوثني والمجوسي ،وكذا ذبيحة المعطل الذي لا يعتقد في الله تعالى فهي حرام كذبيحة أهل اسم غير الله عليها .
وقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه ،بل المحرم ما علم أن غير اسم الله من الأوثان والأنداد ونحو ذلك قد ذكر عليه .
{فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه}
فمن ألجأته ضرورة إلى أكل شيء من هذه لمحرمات حالة كونه غير باغ: أي غير طالب المحرم وهو يجد غيره ،أو غير طالب له لإشباع لذاته ،أو غير طالب له على جهة الاستئثار به على مضطر آخر ،أو غير ساع في الفساد .
ولا عاد: أي وغير متجاوز ما يسد الجوع ،ويحفظ الحياة .
فلا إثم عليه: أي فلا إثم عليه في أكله من هذه المحرمات .
وبهذا ترى لونا من ألوان سماحة الإسلام ويسره في تشريعاته التي أقامها الله تعالى على رفع الحرج ،ودفع الضرر ،قال تعالى:{وما جعل عليكم في الدين حرج} . ( الحج: 87 )
وقال تعالى:{يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} . ( البقرة: 185 ) .
وليس المراد من الآية حصر التحريم فيما ذكر ،فإن المحرمات أوسع منها ،ولكن المقصود رد اعتقاد المشركين أن الأكل منها حلال .
وختمت الآية بقوله سبحانه:{إن الله غفور رحيم} .
للإيذان بأن الحرمة باقية ،إلا أنه تعالى أسقط الإثم عن المضطر وغفر له لاضطراره .