{واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ...}
/م190
المفردات:
و الثقف: الحذق في إدراك الشيء علما كان أو عملا ،وقد يستعمل في مطلق الإدراك
من حيث أخرجوكم: من مكة .
الفتنة: الابتلاء ،من قولهم فتن الصائغ الذهب إذا أذابه في النار ليستخرج منه الزغل ،ثم استعملت في كل اختبار شاق كالإخراج من الوطن المحبب والفتنة في الدين .
التفسير:
المعنى: واقتلوهم حيث وجدتموهم في خل أو حرم ،وأخرجوهم من ديارهم كما سبق أن فعلوا ذاك بكم ،حيث أخرجوكم من دياركم ،ولم يكتفوا بهذا بل تناولوا من بقي منكم من المسلمين في مكة بالتعذيب والتنكيل ليرتدوا عن الإسلام .
{والفتنة أشد من القتل}
أي والمحنة التي يفتن بها الإنسان بالإخراج من الوطن ،والحرمان من المال ،والتعرض لألوان القسوة والعذاب للتأثير في العقيدة اشد من القتل لاتصال تعذيبها وألم النفس بها ،ومن هنا قيل:
القتل بحد السيف أهون موقعا
على النفس من القتل بحد فراق
وقيل لبعض العلماء: ما أشد من الموت ؟قال: الذي يتمنى فيه الموت .
{ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه}
أي لا تقاتلوا أيها المؤمنون أعداءكم عند المسجد الحرام احتراما له حتى يبدأ المشركون قتالكم عنده ،فإن بدءوكم بالقتال فيه فلا حرج عليكم في قتلهم عنده ،لأن المنتهك لحرمة المسجد الحرام إنما هو البادئ بالقتال فيه وهم المشركون ،ولستم أنتم أيها المؤمنون لأن موقفكم إنما هو موقف المدافع عن نفسه .
فأنت ترى أن الآية قد حفظت للمسجد الحرام حرمته وهيبته ومكانته السامية لأن حرمته لذاته ،وحرمة سائر الحرم من أجله ،إلا أنها أذنت للمسلمين أن يدافعوا عن أنفسهم إذا ما هاجمهم المشركون عنده أو فيه . "دفعا للصائل المعتدي ،كما بايع صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم الحديبية تحت شجرة الرضوان على القتال ،لما تألبت عليه بطون قريش ومن والاهم من ثقيف والأحابيش عامئذ ثم كف الله القتال بينهم"( 89 ) .فقال/ وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم .
{فإن قاتلوكم فاقتلوهم}
فإن ابتدأ المشركون بقتال المسلمين فعلى المسلمين أن يقتلوهم ،وعبر بقوله: فاقتلوهم .بدل فقاتلوهم ،للإيذان بأن المسلمين ألا يمكنوهم من المغالبة وأن يسارعوا بقتلهم .
كذلك جزاء الكافرين:
أي مثل هذا الجزء العادل من القتل والردع يجازي الله الكافرين الذين قاتلوا المؤمنين وأخرجوهم من ديارهم .