السلام في الإسلام
{يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين( 208 ) فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم( 209 )}
المفردات:
السلم: بكسر السين وتفتح ،الاستسلام للطاعة .
كافة: جميعا .
خطوات: جمع خطوة بفتح الخاء وضمها .
المعنى الإجمالي:
يا أيها الذين آمنوا كونا جميعا مسالمين فيما بينكم ولا تتبعوا العصبيات الجاهلية وغيرها من أسباب النزاع والخلاف ،ولا تسيروا في طريق الشيطان الذي يدفعكم إلى الشقاق فإنه لكم عدو مبين .
التفسير:
{يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لمن عدو مبين}
ذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الآية موجهة إلى مؤمني أهل الكتاب .
جاء في تفسير مقاتل بن سليمان( 142 ): أن عبد الله بن سلام ،وسلام بن قيس ،وأسيد وأسد بنا كعب ،ويامين وهم مؤمنو أهل التوراة استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة التوراة في الصلاة ،وفي أمر السبت ،وأن يعملوا ببعض ما في التوراة ،فقال الله عز وجل خذوا سنة محمد صلى الله عليه وسلم وشرائعه ،فإن قرآن محمد نسخ كل كتاب كان منن قبله .فقال:{ادخلوا في السلم كافة} .يعني في شرائع الإسلام كلها .
{ولا تتبعوا خطوات الشيطان} يعني تزيين الشيطان فإن السنة الأولى بعدما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ضلالة من خطوات الشيطان .
والوجه الثاني في تفسير السلم هو المسالمة والمصالحة .
والمعنى: يا أيها الذين أمنوا إن إيمانكم يوجب عليكم فيما بينكم أن تكونوا متصالحين غير متعادين ،متحابين غير متباغضين ،متجمعين غير متفرقين ،كما أنه يوجب عليكم بالنسبة لغيركم ممن هو ليس على دينكم أن تسالموه متى سالمكم ،وأن تحاربوه متى اعتدى عليكم ،فإن دينكم ما جاء للحرب والخصام ،وإنما جاء للهداية وللسلام العزيز القوي الذي يرد الاعتداء بمثله .
وقد ذكر السيد رشيد رضا في تفسير المنار ،أن الوجه الأول ضعيف وأن الآية لم تنزل في شأن مؤمني أهل الكتاب وإنما نزلت تدعو المسلمين إلى التمسك بأهداب الإسلام وترك الشقاق والتنازع ،والاعتصام بحبل الوحدة والأخوة ،وهي بمعنى قوله عز وجل:{واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} .( آل عمران: 103 ) .
وقوله تعالى:{ولا تنازعوا فتفشلوا} . ( الأنفال: 46 ) وقوله عليه الصلاة والسلام:"لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم أعناق بعض "( 143 ) .
وبعض المفسرين ذكر أن المراد بالآية لمنافقون ،والتقدير يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم ادخلوا بكليتكم في الإسلام ولا تتبعوا خطوات الشيطان .وهو قول ضعيف ولا يؤيده سياق الآية الكريمة .
لأن الآية صريحة في دعوة المؤمنين إلى التمسك بجميع تعاليم الإسلام ،وإلى الإخاء الجامع ونبذ التفرق والاختلاف والاعتداء .
وإن صحت الروايات في أنها نزلت في شان مؤمني أهل الكتاب فلا مانع أن تكون الآية موجهة لهم وتشمل المسلمين أيضا ،بالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين:
إي ادخلوا في السلم واحذروا أن تتبعوا مدارج الشيطان وطرقه ،إنه لكم عدو ظاهر العداوة بحيث لا تخفى عداوته على عاقل .
وفي قوله تعالى:{ولا تتبعوا خطوات الشيطان} .إشعار بأن الشيطان كثيرا ما يجر الإنسان إلى الشر خطوة فخطوة ،ودرجة فدرجة ،حتى يجعله يألفه ويقتحمه بدون تردد ،وبذلك يكون ممن استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ،والعاقل من الناس هو الذي يبتعد عن كل ما هو من نزاعات الشيطان ووساوسه ،فإن صغير الذنوب قد يوصل إلى كبيرها ،ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه .