2 - يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ .
الذهول: الدهش الناشئ عن الهم والغم الكثير .
المرضعة: الأنثى حال الإرضاع ،والمرضع: من من شأنها أن ترضع ،ولو لم ترضع حال وصفها به .
تصف الآية أهوال القيامة التي تزلزل القلوب:
( أ ) ففي هذا اليوم تذهل كل مرضعة عن رضيعها ،وقد وضعت ثديها في فمه ،فتتحير وتأخذها الدهشة ،وتنشغل بنفسها عن رضيعها .
( ب ) وفي هذا اليوم يشتد الهول ،بحيث إن الحامل تضع حملها سقطا ،من الهول والفزع .
( ت ) وفي ذلك اليوم ترى الناس سكارى من الذهول والهول الذي اعتراهم ،وما هم بسكارى ،أي: إنهم لم يشربوا خمرا ،ولكن أذهلهم هول الموقف ،وشدة الهول والعذاب .
وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ .
أي: إن الذي جعل الناس سكارى ذاهلين في سكر معنوي ،بدون سبب حسي للسكر ،هو شدة عذاب الله في هذا اليوم ،فشدة العذاب هي التي أذهلت عقولهم ،وأذهبت تمييزهم ،وقد يكون المراد من ذهول المرضع ،ووضع الحامل ،ضرب المثل لشدة الأمر وبلوغه أقصى الغايات ،كما يؤول به أيضا قوله تعالى: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا * إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا .( المزمل: 17 – 19 ) .
ملحق بتفسير الآيتين:
- ذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الزلزلة قبل قيام الناس من قبورهم ،فهي مثل أشراط الساعة أو علاماتها .
قال تعالى: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا .إلى آخر السورة
وقال تعالى: وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ .( الحاقة: 14 ،15 ) .
قال ابن كثير:
فقال قائلون: هذه الزلزلة كائنة في آخر عمر الدنيا ،وأول أحوال الساعة .عن علقمة في قوله: إن زلزلة الساعة شيء عظيم .قال: قبل الساعة .وقال عامر الشعبي: هذا في الدنيا قبل يوم القيامة .
وقال آخرون: بل ذلك هول وفزع وزلزال كائن يوم القيامة ،في العرصات بعد القيام من القبور ،واختار ذلك ابن جرير الطبري ،واحتجوا بالأحاديث .
منها: ما ورد في الصحيحين عن عائشة ،عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إنكم تحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا ،قالت عائشة: يا رسول الله ،الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ،قال: إن الأمر أعظم من أن ينظر بعضهم إلى بعض )iv .
وفي مسند الإمام أحمد ،عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله ،هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة ؟
قال: ( يا عائشة ،أما عند ثلاث فلا: أما عند الميزان حتى يثقل أو يخف فلا ،وأما عند تطاير الكتب ،إما يعطى كتابه بيمينه وإما بشماله فلا ،وأما عند المرور على الصراط حتى ينجو إلى الجنة أو يقع في النار فلا )v .
وعند التأمل نجد أنه يمكن الجمع بين الرأيين الأول والثاني ،بأن أهوال القيامة تبدأ مع أشراط الساعة ،وتستمر في الموقف والحساب والميزان والصراط وجميع مشاهد القيامة ،نسأل الله السلامة ودخول الجنة ،والنجاة من النار .اللهم آمين .