{إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا( 72 ) ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما( 73 )}
المفردات:
عرضنا الأمانة : طلبنا القيام بحق الأمانة وهي الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية .
الأمانة: التكاليف الشرعية كالصلوات .
أبين : امتنعن .
أشفقن : خفن .
وحملها الإنسان : والتزم الإنسان القيام بها .
ظلوما : كثير الظلم .
جهولا : كثير الجهل .
التفسير:
{إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} .
خلق الله الكون بقدرته ورفع السماء وبسط الأرض وأرسى الجبال وسخر الهواء والفضاء وسير الشمس والقمر والليل والنهار وجعل الظلمات والنور .
وهذا الكون خاضع لله خضوع القهر والغلبة فالسماء مرفوعة والأرض مبسوطة والجبال راسية والبحار جارية ،والليل مظلم والنهار مضيء والشمس مسخرة والقمر منير وكل في فلك يسبحون ولا يملك أن يغير مساره أو يتمرد على وظيفته .
{لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون} ( يس: 40 ) .
وقال تعالى:{ثم استوى على السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا آتينا طائعين} .
أي أظهرت السماء والأرض من الخضوع والامتثال لأمر الله ما لو نطق لسان حالهما لقال: أتينا طائعين فهذا الكون مسخر للطاعة الآلية ،لا يملك غير الطاعة والالتزام بدون تفكير أو امتناع عن أداء وظيفته .
أما الإنسان فقد خلقه الله بيده ،ونفخ فيه من روحه وجعله خليفة في الأرض ومنحه الله العقل والإرادة والاختيار أي أنه يملك أن يطيع الله ويملك المعصية والكفر وترك الطاعات واقتراف المحرمات .
قال القفال وغيره:
العرض في هذه الآية ضرب مثل أي أن السماوات والأرض والجبال على كبر أجرامها لو كانت بحيث يجوز تكليفها لثقل عليها تقلد الشرائع لما فيها من الثواب والعقاب أي أن التكاليف أمر حقه أن تعجز السماوات والأرض والجبال عن حمله .
وقد كلف الإنسان بحمل الأمانة فقيل الالتزام بأدائها حيث أعده الله لذلك بما زوده من ملكات وغرائز وطبائع وما غرس فيه من قدرات أه .
إن الكون كله خاضع لله تعالى خضوعا تاما ،وامتثالا عمليا بدون عقل أو تفكير أو إرادة أما الإنسان فقد أعطاه الله العقل والإرادة والاختيار وتحمل المسؤولية .
وحين عرض الله تحمل الأمانة على الكون أبى أن يتحملها فلم يكن مهيأ لذلك كما تقول عرضت الأمانة على البعير فأباه أي أن قدرات البعير كانت دون تحمل هذا الحمل .
أما الإنسان فقد تحمل الأمانة وهي قبوله أن يثاب إذا أطاع وأن يعاقب إذا عصى وقد التزم بأداء الأمانة قلة قليلة .
{وقليل من عبادي الشكور} .( سبأ: 13 )
وقد فرط معظم أفراد بني آدم في أداء حق الأمانة حيث كان معظم أفراد الإنسان ( ظلوما ) تاركا للأمانة ( جهولا ) بقيمة أداء الأمانة حيث يكون ذلك سببا في سعادته في الدنيا والآخرة .
أي أن من أفراد الإنسان من يختار المعصية والإفساد والشر ويستحق النار وجهنم عن جدارة وفي الحديث القدسي أن الله تعالى قال للجنة والنار"ولكل واحدة منكما على ملؤها ".