المفردات:
القانت: المطيع ،أو الذي يطيل القيام في صلاته .
آناء الليل: ساعاته: أوله ووسطه وآخره ،أو جوفه .
التفسير:
9-{أمن هو قانت أناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب} .
أهذا الكافر الذي سبق ذكره في الآية السابقة ،يستوي بالمؤمن القانت الخاشع لله في جوف الليل ،حال كونه ساجدا لله يتضرع إليه ،وقائما يقرأ القرآن في تضرع وحب وخشية لله ،لأنه يخاف عذاب الآخرة ،ويرجو رحمة الله تعالى ،فقد جمع بين الخوف والرجاء ،وهما جناحان يطير بهما المؤمن في ملكوت الرياضة الروحية ،وسلوك منازل الآخرة ،فالخوف إذا زاد عن حدّه صار يأسا:{إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} .( يوسف: 87 ) .
والرجاء والأمل بدون عمل طمع بدون حقّ ،وفي الحديث النبوي:"ليس الإيمان بالتمنّي ،ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل ،ألا وإنّ أقواما غرتهم الأمانّي ،خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم ،وقالوا: نحسن الظن بالله ،وكذبوا على الله ،لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل".
وقال تعالى:{فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} ( الأعراف: 99 )
{قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ...}
هل يستوي العالم والجاهل ؟أي: وكما لا يستوي العالم والجاهل ،كذلك لا يستوي المطيع والعاصي .
{إنما يتذكر أولوا الألباب} .
أي: إنما يتعظ أصحاب العقول السليمة ،وإنما ينتفع بأمثلة القرآن أصحاب القلوب المستنيرة ،والعقول الخالصة من شوائب الخلل .
قال ابن كثير:
وينبغي أن يجمع المؤمن بين الخوف والرجاء .وفي الشباب يغلب الخوف على الرجاء ،وفي الشيخوخة يغلب الرجاء على الخوف ،وكذلك عند الاحتضار يكون عظيم الأمل في رحمة الله وفضله .
روى الترمذي والنسائي ،وابن ماجة ،عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رسول اله صلى الله عليه وسلم على رجل وهو في الموت فقال له: "كيف تجدك"؟فقال: أرجو وأخاف ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن ،إلا أعطاه الله عز وجل الذي يرجو وأمّنه الذي يخافه"{[586]} .
وقرأ ابن عمر:{أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه ...} فقال: ذلك عثمان ابن عفان رضي الله عنه – أخرجه ابن أبي حاتم .
وذلك لكثرة صلاة عثمان بالليل وقراءته ،قال الشاعر: يقطع الليل تسبيحا وقرآنا .
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير:
واعلم أن هذه الآية دالة على أسرار عجيبة ،فأوّلها أنه بدأ فيها بذكر العمل ،وختم فيها بذكر العلم ،أما العمل فهو القنوت والسجود والقيام ،وأما العلم ففي قوله:{هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} ؟
وهل يدلّ على أن كمال الإنسان محصور في هذين المقصودين ،فالعمل هو البداية ،والعلم والمكاشفة هو النهاية ،وفي الكلام حذف تقديره: أمن هو قانت كغيره ؟وإنما حَسُن هذا الحذف لدلالة الكلام عليه ،لأنه تعالى ذكر قبل هذه الآية الكافر ،ثم مثل بالذين يعلمون ،وفيه تنبيه عظيم على فضيلة العلم .ا ه .