{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} أي متعبدا في ساعاته يقطعها في السجود والقيام{ يَحْذَرُ الْآخِرَةَ} أي عقابها{ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} أي جنته ورضوانه ،أي:أهذا أفضل أم ذاك الكافر الجاحد الناسي لربه ؟{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} أي توحيده وأمره ونهيه في الثواب والطاعة{ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} أي لا يستويان .
تنبيهات:
الأول - في الآية استحباب قيام الليل .قال ابن عباس:( آناء الليل:جوف الليل ) .وقال الحسن:ساعاته أوله ووسطه وآخره .
الثاني- في قوله تعالى:{ يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه} ردّ على من ذمّ العبادة خوفا من النار أو رجاء الجنة .وقال صلى الله عليه وسلم: ( حولها ندندن ) .
الثالث - في قوله تعالى:{ هل يستوي} الآية مدح العلم ورفعة قدره .وذمّ الجهل ونقصه .وقد يستدل به على أن الجاهل لا يكافئ العالمة ،كما أنه لا يكافئ بنت العالم ،أفاده في ( الإكليل ) .
وفي الآية أيضا إشعار بأن الذين يعلمون هم العاملون بعلمهم ،إذ عبر عنهم أولا ب ( القانت ) ثم نفى المساواة بينه وبين غيره ،ليكون تأكيدا له ،وتصريحا بأن غير العامل كأن ليس بعالم .
قال القشانيّ:وإنما كان المطيع هو العالم ،لأن العلم هو الذي رسخ في القلب وتأصل بعروقه في النفس ،بحيث لا يمكن صاحبه مخالفته ،بل سيط باللحم والدم ،فظهر أثره في الأعضاء لا ينفك شيء منها عن مقتضاه ،وأما المرتسم في حيز التخيل ،بحيث يمكن ذهول النفس عنه وعن مقتضاه ،فليس بعلم .إنما هو أمر تصوري وتخيل عارض لا يلبث ،بل يزول سريعا .لا يغذو القلب ولا يسمن ولا يغني من جوع{ إنما يتذكر} أي يتعظ بهذا الذكر{ أولوا الألباب} أي العقول الصافية عن قشر التخيّل والوهم ،لتحققها بالعلم الراسخ الذي يتأثر به الظاهر .وأما المشوبة بالوهم فلا تتذكر ولا تتحقق بهذا العلم ولا تعيه .