/م21
المفردات:
من اتخذ إلهه هواه: من اتخذ هواه معبودا له ،فخضع له وأطاعه .
وأضله الله على علم: أضله الله وسلب عنه الهدى بعد بلوغ العلم إليه وقيام الحجة عليه .
قال ابن كثير: ويحتمل معنى آخر هو: أضله الله لعلمه أنه يستحق ذلك .
وختم على سمعه وقلبه: أغلق منافذ الهداية عنده ،فهو لا يقبل ما ينفعه مما يسمعه ،ولا يقبل حقا لإصراره على كفره .
وجعل على بصره غشاوة: غطاء أو ظلمة فلا يبصر دواعي الهدى .
فمن يهديه من بعد الله: فمن يهديه من بعد إعراض الله عنه ؟أي: لا أحد يهديه .
أفلا تتذكرون: أتتركون النظر فلا تتعظون .
التفسير:
23-{أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون} .
مع أن الكون كله قد خلق بالحق والعدل ،وهو يسبح بحمد الله تسبيح طائع لله ،ملتزم بأوامره وقوانينه ،فإنك تعجب حين تجد الكافر الذي يشذ عن عبادة الله ،فيعبد الهوى والصنم والشهوة ،فهو أسير هواه وشهواته ،وقد سلب الله عنه الهدى والتوفيق ،فاختار الضلالة مع علمه بأنها ضلالة ،كما قال سبحانه:{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} .( النمل: 14 ) .
أو أضله الله عالما بحاله ،وأنه يؤثر الهوى على الحق ،لذلك سلب عنه الهدى والتوفيق ،وتركه ضالا متحيرا ،فلا يسمع ما يفيده ،ولا يتأمل بقلبه في أسباب الهدى ،ولا يتأمل ببصره في ملكوت السماوات والأرض .
{فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون} .
إن الهدى هدى الله ،وإذا كان الله تعالى قد سلب عنه الهدى والتوفيق ،فمن يملك له أسباب الهداية بعد أن سلبها الله عنه ؟إن هذا لأمر يستحق التفكر والتذكر .
قال الألوسي: والكلام على التمثيل . اه .
أي أن الله شبه إعراض الكافر عن الحق ،وتعاميه عن الهدى ،وتصاممه عن سماع القرآن ،بمن فقد هذه الحواس .
وقريب من ذلك قوله تعالى:{ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون} .( الأعراف: 179 ) .
وجاء في حاشية الجمل على الجلالين ما يأتي:
وصف الله تعالى الكفار بأربعة أوصاف:
الأول: عبادة الهوى .
الثاني: ضلالهم على علم .
الثالث: الطبع على أسماعهم وقلوبهم .
الرابع: جعل الغشاوة على أبصارهم .
وكل وصف من هذه الأوصاف مقتض للضلالة ،فلا يمكن إيصال الهدى إليهم بوجه من الوجوه .
من تفسير القرطبي
ذكر القرطبي في تفسير قوله تعالى:{وختم على سمعه وقلبه ...}
قال مقاتل: نزلت في أبي جهل ،ذلك أنه طاف بالبيت ذات ليلة ،ومعه الوليد بن المغيرة ،فتحدثا في شأن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو جهل: والله إني لأعلم أنه صادق ،فقال له: مَهْ ،وما دلك على ذلك ؟قال: يا أبا عبد شمس كنا نسميه في صباه الصادق الأمين ،فلما ثم عقله وكمل رشده نسميه الكذاب الخائن ،والله إني لأعلم أنه صادق ،قال: فما يمنعك أن تصدقه وتؤمن به ؟قال: تتحدث عني بنات قريش أني اتبعت يتيم أبي طالب من أجل كسرة ،واللات والعزى لا أتبعه أبدا ،فنزلت:{وختم على سمعه وقلبه ...}5 .
وقد أورد القرطبي في تفسيره لهذه الآية عشرة آيات في ذم الهوى ،والدعوة إلى مخالفة هوى النفس ،وإتباع العلم والدين ،ومن ذلك قول عبد الله بن المبارك:
ومن البلايا للبلاء علامة *** ألا يرى لك عن هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواتها *** والحر يشبع تارة ويجوع
وأخرج أحمد ،والترمذي ،وابن ماجة ،والحاكم ،عن شداد بن أوس ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ،والفاجر من أتبع نفسه هواها ،وتمنى على الله الأماني )6 .