/م36
المفردات:
بجبار: بمسيطر ومسلط ،إنما أنت داع ومنذر .
فذكر: فخوف وحذر .
التفسير:
ختام السورة
45-{نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} .
فالعلم الكامل لله تعالى ،فهو عالم بأقوال الكافرين ،حيث ينكرون البعث ،ولا يصدقون بالقرآن ،ويتهمون محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر أو كاهن أو مجنون أو مفتر ،فالآية تسرِّي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ،وتخبره بأن عليه البلاغ ،وليس عليه الهداية .
قال تعالى:{فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر * إلا من تولى وكفر * فيعذبه الله العذاب الأكبر * إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم} .( الغاشية: 21- 26 ) .
{فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} .
اقرأ هذا الكتاب ،وأرشد به الناس ،وخوف هؤلاء المنكرين رجاء أن تلين قناتهم ،وأن ترتدع نفوسهم .
لقد لون الله تعالى في أسلوب هذا الكتاب ،فتراه أحيانا يكون رقيقا هادئا في قصصه وتشريعه ،وبيان رحمة الله ومغفرته ،وأحيانا تراه قويا عاصفا في حديثه عن القيامة وأهوالها ،والبعث والحشر والحساب والجزاء ،لأن من النفوس من يؤنسها الوعد ،ويرضيها الهدوء واليسر ،ومن النفوس الجامحة من تحتاج معه إلى الشدة والوعيد ،لترى القيامة وأهوالها حتى تفيق من سباتها .
وقد اشتمل القرآن الكريم على الوعد بالجنة ونعيمها للمتقين ،ووصف الجنة ،وأنهارها وأشجارها ،وثمارها وحورها وولدانها ،ورضوان الله فيها ،ترغيبا للناس في نعيمها .
كما وصف الله النار ولهيبها ،ويحمومها وغسلينها ،وعذاب أهلها ،وغضب الجبار على الكافرين والمنافقين ،حتى يهدهد كبرياء المبطلين ،ويضع الحقيقة كاملة أمام الإنسان في هذه الدنيا ،فلا يحتج يوم القيامة بأن الرسل لم تبلغه ،وأن الكتب السماوية لم تصف له عذاب الآخرة حتى يأخذ حذره ويفيق من غفلته .
قال تعالى:{ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى} .( طه: 134 ) .
والأصل أن القرآن تذكرة للراغب في الجنة ،وتحذير للكافر بالنار ،لكنه هنا ذكر التذكير بالقرآن لمن يخاف وعيد الله ،في مجابهة المشركين والكافرين .
قال تعالى:{بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون} .( فصلت: 4 ) .
وقال عز شأنه:{يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا} .( الأحزاب: 45 ،46 ) .
وقال تعالى:{وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا} .( طه: 113 ) .
وكان قتادة يقول:
اللهم اجعلنا ممن يخاف وعيدك ،ويرجو موعودك ،يا بار يا رحيم .
ونحن نقول معه ذلك إلى الأبد .
اللهم ارزقنا الجنة ،وما قرب إليها من قول وعمل ،اللهم ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ،إنها ساءت مستقرا ومقاما ،اللهم اجعل عملنا خالصا لوجهك ،اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه ،ونستغفرك لما لا نعلمه ،ربنا آتنا في الدنيا حسنة ،وفي الآخرة حسنة ،وقنا عذاب النار ،وصلّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .