المفردات:
ليحزنك: الحزن ؛الشعور بالألم عند وقوع مكروه .
يجحدون: الجحود و الجحد ؛نفي ما في القلب إثباته أو إثبات ما في القلب نفيه .
التفسير:
33- قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون .كان صلى الله عليه وآله وسلم حريصا على هداية قومه ،وكان يشق عليه تكذيبهم له ،وهنا يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
قد أحاط علمنا بحزنك مما يقوله هؤلاء المعاندون ،وأنك مشفق عليهم من لجاجهم وشططهم ،ونحن معك أيها الحزين الآسف على كفر قومه .
إنهم لا يتهمونك بالكذب في نفس الأمر .
ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بصدورهم لقد كانت فيها طبقات من الأغنياء والمترفين وهم أعرف الناس بصدق محمد وصدق رسالته ولكن الحرص على منافع الدنيا ،وقوة الجحود والإعراض عن الحق دفعتهم إلى المكابرة والعناد وعدم الدخول في الإسلام .
وقد وردت روايات متعددة تدل على اعترافهم بصدق الرسول ،ولكن الحسد والغيرة والدوافع الشخصية والأنانية تحركت في صدورهم فمنعتهم من الاستجابة للحق .
قال سفيان الثوري عن علي قال: قال جهل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنا كنا لا نكذبك يا محمد ولكن نكذب ما جئت به فأنزل الله: فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون .
وقد أورد صاحب الظلال طائفة من الروايات والأحاديث تؤيد اعتراف القوم بصدق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
من ذلك ما رواه ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري: أنه حدث أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريق .خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،وهو يصلي من الليل في بيته فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه وكل لا يعلم بمكان صاحبه ،فباتوا يستمعون له ،حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاموا .وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائهم لأوقعتم في نفسه شيئا ثم انصرفوا .
حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه وفعلوا مثل ذلك في الليلة الثالثة ،فقالوا لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود فتعاهدوا على ذلك .
والقصة طويلة وهي تؤكد تصديق باطنهم للنبي ثم مكابرة عقولهم ،ورفضهم الإذعان حرصا على مصالحهم الدنيوية .
وعن أبي يزيد المدني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقي أبا جهل فصافحه فقال رجل لأبي جهل: ألا أراك تصافح هذا الصابئ ؟
فقال والله إني لأعلم أنه لنبي ،ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا ؟وتلا أبو يزيد: فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون .
فالآية الكريمة مسوقة على سبيل الاستئناف لتسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم عما كان يصيبه من المشركين .
وفي معنى هذه الآية جاءت آيات كثيرة منها قوله تعالى: فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا .( الكهف:6 ) .
ومنها قوله تعالى: فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون .( فاطر: 8 ) .
ومنها قوله تعالى: فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون .( يس: 76 ) .
ومن ذلك قوله تعالى: في شأن قوم فرعون وتكذيبهم بمعجزات موسى: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين .( النمل: 14 ) .