/م1
المفردات:
الأمين: العرب المعاصرين له صلى الله عليه وسلم ،أو الذين لا يقرأون ولا يكتبون .
رسولا منهم: رسولا أميّا مثلهم .
يزكّيهم: يطهرهم من أدناس الجاهلية .
الكتاب: القرآن .
الحكمة: السنّة ،وتطلق الحكمة أيضا على حسن التصرف في الأمور .
لفي ضلال مبين: بُعد واضح عن الحق والحكمة ،لجاهليتهم التي كانوا عليها .
التفسير:
2-{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} .
إنها لمنّة عظيمة أن يختار الله الزمان ،والمكان ،والأمّة ،والرسول:
فالزمان: القرن السادس الميلاديّ .
والمكان: بلاد العرب .
والأمة: أمة أمية لا تعرف الحساب ،أناجيلهم في صدورهم ،ومع ذلك فهم أهل بلاغة وفصاحة ،ولَسَن بالفطرة ،نبغ فيهم الشعراء والبلغاء والخطباء مع أمِّيتهم .
والرسول: هو محمد صلى الله عليه وسلم ،حيث أرسل الله فيهم رسولا منهم ،أمّيا مثلهم ،وأنزل عليه كتابا سماويا خالدا معجزا .
فكان الرسول الأميّ يقرأ عليهم القرآن من الذاكرة ،ويعلِّمهم الكتاب: وهو القرآن ،وأحكامه وآدابه .
وَالْحِكْمَةَ: وهي السنة المطهرة ،وفيها هدى السماء وتوجيه النبوة .
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ .
كانوا في بُعد ظاهر عن الحق ،حيث عبدوا الأوثان والأصنام ،وقتلوا البنات صغيرات ،أو أمسكوهنّ على الذلّ كبيرات ،وكانوا في عدوان دائم على بعضهم البعض ،وفي حروب مستمرة ،فحسبك بهذا النبي الأميّ الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور ،وعلمهم آيات القرآن وآدابه وأحكامه وحكمه ،فصاروا بالإسلام خير أمة أخرجت للناس ،والحكمة من ذلك ظاهرة ،هي ألا يظنّ أحد أ محمدا تعلّم القرآن من دراسة كتب السابقين .
قال تعالى:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} .( العنكبوت: 48-49 ) .
ومن الحكمة أيضا: أن يكون في الأمة الأمية رسول أمّي مثلهم ،هو أعلم بحالهم ،وأخبر بما يناسبهم ،فكان صبورا عليهم ،يبطئ في إلقاء الكلام حتى يستطيع السامع أ يَعدّه عدّا ،وربما كرر الجملة ثلاثا حتى تُفهم عنه .
فكان الإعجاز والإبهار ظاهرا ،أن تجد كتابا معجزا مشتملا على أخبار السابقين ،وعلوم اللاحقين ،وأحكام الشريعة والدين ،وقوانين علمية لم يدرك الكون إعجازها إلا في القرون المتأخرة ،مما يدل على أن محمدا النبي الأميّ لم يكن يدرك بشخصه هذه المعلومات ،وإنما هي تنزيل رب العالمين .
ومن هذا الإعجاز الإخبار عن أمم بائدة ،كعاد وثمود ،وعن أمور مستقبلة في عالم الغيب ،كهزيمة الروم أمام الفرس ،ثم الانتصار عليهم في بضع سنين ،ومثل تكوين الجنين في بطن أمه ،نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم هيكلا عظيما ،ثم كسو العظام لحما ،ولم يدرك ذلك إلاّ من عشرات السنين ،فأنّى لمحمد صلى الله عليه وسلم الذي ولد في القرن السادس من ميلاد المسيح ،النبي الأميّ ،أنّى له – لو كان بشرا عاديا – أن يتكلم عن خلق الكون ،وخلق السماء والأرض ،وقصة آدم وقصص الرسل ،وأن يصوِِّب أخطاء وقعت في التوراة والإنجيل ،وأنى له – لو كان بشرا عاديا – أن يتكلم عن موضوعات علمية دقيقة متعددة في القرآن الكريم .
مثل حركة الأرض حول نفسها ،وحركتها أمام الشمس ،وحركة الشمس ،وحركة القمر ،والفضاء والهواء ،وأخبار عن الماء والمحيطات ،والأنهار والنبات ،وبدء الخليقة ،ونهاية الكون وما يحدث فيه ،بأسلوب علمي رائع ،وكلما تقدم العلم فإنه يؤيد ما في هذا الكتاب .
وصدق الله العظيم إذ يقول:
{سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} .( فصلت: 53 ) .
ويقول البوصيري:
كفاك بالعلم في الأميّ معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم
لقد شاء الله أن يكون يتيما أميّا لتظهر المعجزة ،وليدرك الناس أن الذي علّم الأمي مَلَك هو جبريل عليه السلام .
قال تعالى:{علّمه شديد القُوى} .( النجم: 5 ) .
وقال سبحانه وتعالى:{والنجم إذا هوى*ما ضلّ صاحبكم وما غوى*وما ينطق عن الهوى*إن هو إلاّ وحي يوحى} .( النجم: 1-4 ) .
ولقد زكّى القرآن الأمة العربية وطهّرها ،وأمدّها بمقومات القوة والطهارة ،فحملت دين الله من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ،ودخل الناس في دين الله أفواجا ،وامتدت الفتوحات الإسلامية إلى بلاد الفرس والروم ،وأفريقيا وآسيا وسائر المعمورة ،وكل ذلك بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بجهد هذا النبي الأمي ،الذي أرسله الله إلى العرب وجعله رحمة للعالمين ،فدخل في هذا الدين العجم ،وهم كل من آمن بالرسول من غير العرب ،وكان الإسلام رسالة عالمية ،ويحمل الفكرة إلى كل أمة ،ويتقبّل من أهلها من يصبحون قدوة وأعلاما ،فرأينا في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم بلالا الحبشي ،وسلمان الفارسي ،وصهيبا الرومي .
واتسع صدر الإسلام لكل ثقافة أصيلة ،في الفقه والحديث والتشريع واللغة والأدب ،وكان علماء فارس والروم يقدمون خبرتهم ،وينالون كل تكريم من الشعوب التي تحيط بهم ،ومن الأمراء والخلفاء .
وفي الحديث الشريف:"ليت العربية لأحدكم باب ولا أم ،ولكن العربية اللسان ،من تكلّم العربية فهو عربي ".
وقال تعالى:{هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ...}( التوبة: 33 ) .
وقال تعالى:{وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيرا ونذيرا ...}( سبأ: 28 ) .
وقال صلى الله عليه وسلم:"أُعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر ،وأُحلت لي الغنائم ،وجُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ،وأُعطيت الشفاعة ،وأُرسل كل نبي إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة "vi .