المفردات:
عتوا: تكبروا وأعرضوا .
خاسئين: أذلاء صاغرين .
التفسير:
{166 - فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} .
أي: فلما تمردوا على أوامره واستمرت مخالفتهم لله ،ومفارقتهم لما نهو عنه ؛غضب الله عليهم ومسخهم قردة ذليلة صاغرة .
وجمهور المفسرين: أن المسخ هنا حقيقي لما خالفتهم الأوامر وتماديهم في العصيان ،لا لمجرد اصطياد الحيتان ،وهل هذه القردة من نسلهم ،أو هلكوا وأنقطع نسلهم ؟لا دلالة في الآية عليه .
وذكرت روايات في التفسير: أنهم مسخوا قردة ثم ماتوا بعد ثلاثة أيام .
ومن العلماء من يرى أن ذلك من باب التمثيل ،فكأن الله تعالى قال لهم: كونوا مثل القردة في عدم الفهم والإدراك وسوء تقدير العواقب .
تنبيهات
1 – أفادت الآية أن الله تعالى نجى الواعظين الذين نهوا عن السوء ،وأهلك المعتدين .
وسكتت الآية عن الفرقة الثالثة الذين لاموا الواعظين ،ومن المفسرين من ذهب إلى أنهم هلكوا مع الهالكين .
والراجح أنهم نجوا مع الناجين .
فالمعتدون: استحقوا العذاب الشديد والمسخ .
والناصحون: استحقوا النجاة .
وأصحاب الموقف السلبي ،كان موقفهم أقل منزلة ممن جهر بالنصيحة فسكت عنهم القرآن ؛لأنهم لا يستحقون مدحا ،ولا يستحقون قدحا ،فقد أنكروا بقلوبهم واعتزولوا قومهم ،فسكت عنهم القرآن الراجح نجاتهم .
2 – الإخبار بالقصة علامة لصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ أطلعه الله تعالى على تلك الأمور من غير تعلم منه .
3 – إبطال الحيل الممنوعة المؤدية لتعطيل شرع الله ،وهدم مبادئه ،وتجاوز أحكامه ،ومخالفة أوامره .
4 – قال مجاهد: أصبحوا كالقردة في سوء الطباع والطيش والشر ،والإفساد بسبب جنايتهم ،وقال جمهور المفسرين: مسخوا قردة على الحقيقة .
5 – جاء في تفسير القاسمي ما يأتي:
قال الإمام ابن القيم في"إغاثة اللهفان ":
ومن مكايد الشيطان وأهله ،الحيل والمكر والخداع ،الذي يتضمن تحليل ما حرم الله ،وإسقاط ما فرضه ،ومضادّته في أمره ونهيه ،وهي من الرأي الباطل الذي اتفق السلف على ذمه ....
والحيل نوعان:
نوع يتوصل به إلى فعل ما أمر الله تعالى وترك ما نهى عنه ،والتخلص من الحرام ،وتخليص المظلوم من يد الظالم الباغي فهذا النوع محمود يثاب فاعله ومعلمه .
ونوع يتضمن إسقاط الواجبات ،وتحليل المحرمات ،وقلب المظلوم ظالما ،والظالم مظلوما ،والحق باطلا والباطل حقا ،فهذا الذي اتفق السلف على ذمّه .
روى أبو عبد الله بن بطّة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود ،وتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل )46 .