المفردات:
ساء: كلمة ذمّ مثل بئس ومعناها: قبح .
التفسير:
{177 – ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا ....} الآية .
أي: قبح مثلا حال المكذبين لآياتنا ،التاركين لها ؛عنادا واستكبارا .
{وأنفسهم كانوا يظلمون} .
أي: ما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم دون غيرهم ،حيث عرضوا أنفسهم للعذاب ،بسبب ما اختاروا من التكذيب والعصيان ،والمراد من هذه الآية: المبالغة في ذمّ هؤلاء الذين جمعوا بين التكذيب بالآيات ،وظلم أنفسهم بالمعاصي .
في أعقاب الآيات:
لم يعين القرآن الكريم اسم من ضب به المثل ولا جنسه ولا وطنه ،ولا جاء في السنة الصحيحة شيء من ذلك ولرواة التفسير بالمأثور روايات كثيرة في شأنه .
جاء في فتح القدير للشوكاني:
عن ابن عباس قال: هو رجل من مدينة الجبارين يقال له: بلعم ،تعلّم اسم الله الأكبر ،فلما نزل بهم موسى أتاه بنو عمه وقومه ،فقالوا: إن موسى رجل حديد ،ومعه جنود كثيرة ،وإنه إن يظهر علينا يهلكنا فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه ،قال: إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه ،مضت دنياي وآخرتي ،فلم يزالوا به حتى دعا الله فسلخ ما كان فيه ،وقيل: أحد علماء بني إسرائيل .
وكانت الأنصار تقول: هو ابن الراهب الذي بني له مسجد الشقاق .
وقيل: هو أمية بن أبي الصلت ،كان قد قرأ الكتب ورأى قرب ظهور نبي ،فتوقع أن يكون هو ،فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم يئس ،ولم يؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ؛حقدا وحسدا ،فأنزل الله فيه هذه الآيات ،والله أعلم .
وقد روى عن أمية بن أبي الصلت أنه كان يجلس بجوار الكعبة متحنثا ويقول:
مجدوا الله وهو للحمد أهل ***ربنا في السماء أمسى كبيرا
ويقول أيضا:
الحمد لله ممسانا ومصبحنا ***بالخير صبحنا ربي ومسانا
فلما ظهر النبي تلكأ في الإيمان به ؛حقدا وحسدا ،ولما اقترب موت أمية قال:
إن تغفر اللهم تغفر جما ***وأي عبد لك لا ألما
وقد ذهب الأستاذ عبد الكريم الخطيب في تفسير الآية: إلى أن أقرب رجل تشير إليه الآية هو"الوليد ابن المغيرة "الذي أوفدته قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعرض عيه المال أو الملك أو الرئاسة ،فلما انتهى في عرضه قرأ النبي صلى الله عليه وسلم الآيات الأولى من سورة فصّلت ،فلما سمع الوليد القرآن ؛خشع وضرع ،وقال لأهل مكة: لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة ،وأن أعلاه لمثمر ،وإن أسفله لمغدق ،وأن فرعه لجناه ،وما يقول هذا بشر .
فقول له أهل مكة: سحرك محمد ،وهيجوه حتى عدل عن إيمانه ،وادعى أن محمدا ساحر .
وفيه نزل قوله تعالى: إنه فكر وقدّر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم أدبر واستكبر * فقال أن هذا إلا سحر يؤثر * أن هذا إلا قول البشر * سأصليه سقر * وما أدراك ما سقر * لا تبقي ولا تذر * لواحة للبشر * عليها تسعة
عشر . ( المدثر: 18 - 30 )
قال الأستاذ عبد الكريم الخطيب:
إن أحدا من المفسرين لم يقل بهذا القول ،ولا أشار إليه ،وساق الأستاذ عبد الكريم الخطيب عددا من الأدلة ترجح في رأيه أن المشار إليه في قوله تعالى .{واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين .وهو الوليد بن المغيرة .
ولست في المؤيدين للأستاذ الفاضل المرحوم عبد الكريم الخطيب ؛لأن تحديد الأشخاص التي أبهمها القرآن يعتمد على النقل لا على العقل ،وهذا موضوع لا مجال فيه للاجتهاد ،فإما أن نعتمد على الروايات الواردة في تعيين هذا الشخص أو نقول .هو نموذج عام لكل عالم ينسلخ من رداء العلم و يؤثر العاجلة على الآجلة .