{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( 5 ) وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُون( 6 )} .
المفردات:
انسلخ: انقضى .
وخذوهم: وأسروهم ،والأخيذ: الأسير .
واحصروهم: وضيقوا عليهم وامنعوهم من الإفلات .
واقعدوا لهم كل مرصد: وراقبوهم في كل مكان يرى فيه تحركهم ؛حتى تمنعوهم من التجمع ضدكم ،أو الفكاك منكم .
فخلوا سبيلهم: أي: فاتركوهم أحرارا .
التفسير:
5 -{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ...} الآية .
المراد بالأشهر الحرم: الأشهر الأربعة ،التي أبيح فيها للمشركين الناكثين لعهد الرسول صلى الله عليه وسلم ،أن يسيحوا في الأرض آمنين ،وجعلت حرما ؛لأن الله حرم قتالهم فيها .
وهذه الأشهر تبدأ من يوم النحر إلى العاشر من ربيع الآخر ،أما الأشهر الحرم التي قال فيها القرآن:{إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم} . ( التوبة: 36 ) فهي ذو القعدة ،وذو الحجة ،والمحرم ،ورجب .
والمعنى: فإذا انقضت الأشهر الأربعة ،التي حرم فيه قتال المشركين الناكثين لعهودهم – لعلهم يثوبون فيها إلى رشدهم – فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم في حل أو حرم ؛لإصرارهم على الخيانة والشرك .
{وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد} .
وأسروهم ،فإن الأخيذ هو الأسير .
{واحصروهم}: الحصر: منعهم من التصرف في بلاد المسلمين إلا بإذن منهم .
{واقعدوا لهم كل مرصد} .المرصد: الموضع الذي يرقب فيه العدو ،أي: اقعدوا لهم في المواضع التي ترتقبونهم فيها .
وترى أن هذه الوسائل الأربعة – القتل ،والأسر ،والمحاصرة ،والمراقبة – هي الوسائل الكفيلة بالقضاء على الأعداء ،ولا يخلو عصر من العصور ،من استعمال بعضها أو كلها عند المهاجمة .
وهكذا نرى تعاليم الإسلام ،تحض المسلمين على استعمال كل الوسائل المشروعة ؛لكيد أعدائهم ،والعمل على هزيمتهم ،ويستثنى من ذلك النساء ،والرهبان ،والشيوخ ،والصبيان ،والضعفاء ؛فهؤلاء لا يتعرض لهم بقتل ولا تضييق ،إلا إذا عاونوا أولئك الناكثين .
{فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم} .
استخدمت الآية كل الوسائل المشروعة في الترهيب والترغيب ؛فقد أمرت المسلمين بأن يستعلموا مع أعدائهم كل الوسائل المشروعة لإرهابهم ،فإذا رجع المشركون عن الشرك ،فأسلموا وأقاموا الصلاة بشروطها في أوقاتها ،وأدوا الزكاة لمستحقيها ،برهانا على صدق إيمانهم ؛فخلوا سبيلهم ولا تتعرضوا لهم بشيء مما تقدم ،إن الله عظيم الغفران والرحمة ،فلهذا يقبل توبتهم من الغدر والكفر .
وقد استند أبو بكر رضي الله عنه ،إلى هذه الآية في قتال مانع الزكاة ،حيث قال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ؛فإن الزكاة حق المال .
وقد روى الشيخان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله ،وأن محمدا رسول الله ،ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة "8 .
والمراد بالآية: اقتلوا المشركين الذين يحاربوكم9 .
وفي الحديث المتواتر: الذي رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"أمرت أن أقاتل الناس – أي: مشركي العرب بالإجماع – حتى يشهدوا ألا إله إلا الله ،وأن محمدا رسول الله ،ويقيموا الصلاة ،ويؤتوا الزكاة ،فإذا فعلوا ذلك ؛عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله "10 .
وجاء في أحكام القرآن للجصاص 3/ 81:
قوله تعالى:{فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} .
خاص في مشركي العرب دون غيرهم .
قال عبد الرحمان بن زيد بن أسلم: أبى الله أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة ثم قال: يرحم الله أبا بكر ما كان أفقهه ! 11 .