/م18
{ مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع} أي مثل الفريقين من الكافرين والمؤمنين اللذين تقدم وصفهما وبيان حالهما في هذه الآيات المبينة لابتلائه تعالى للناس ليظهر أيهم أحسن عملا ، والصفة الحسية المطابقة لحالهما كمثل الأعمى الفاقد لحاسة البصر في خلقته ، والأصم الفاقد لحاسة السمع كذلك في حرمانه من مصادر العلم والعرفان الإنسانية والحيوانية ، ومن هو كامل حاستي البصر والسمع كلتيهما ، فهو يستمد العلم من آيات الله في التكوين والتشريع بما يسمع من القرآن وبما يرى من الأكوان ، وهما الينبوعان اللذان يفيضان العلم والهدى على عقل الإنسان{ هل يستويان مثلا} أي هل يستوي الفريقان صفة وحالا ، ومبدأ ومآلا ؟ كلا إنهما لا يستويان{ أفلا تذكرون} أي أتجهلون أيها المخاطبون هذا المثل الحسي الجلي أو أتغفلون عنه فلا تتذكرون ما بينهما من التباين فتعتبروا به ؟ أي يجب أن تتفكروا فتتذكروا فتعتبروا وتهتدوا .
شبه فريق الكافرين أولا بالأعمى في عدم استعمال بصره فيما يفضل به بصر الحيوان الأعجم من فهم آيات الله التي تزيده علما وعقلا وهدى روحيا ، ثم شبه بالأصم كذلك بدليل عطفه على الأعمى ليتأمل العاقل كل تشبيه وحده ، وأما قوله تعالى في المنافقين{ صم بكم عمي} [ البقرة:18] بدون عطف فالمراد به من أول وهلة التهويل بجمعهم للنقائص الثلاث كلها دفعة واحدة فلم يبق في استعدادهم منفذ للهدى ، ولذلك عطف عليه بفاء السببية قوله في الآية{ فهم لا يرجعون} [ البقرة:18] وفي الآية{ فهم لا يعقلون} [ البقرة:171] من الإيجاز في الآية عطفه هذه الصفات المتقابلة للفريقين ، وتركه للسامع والقارئ التوزيع والتفريق بين ما لكل منهما من التشبيهين المتضامنين .