/م18
المفردات:
مثل الفريقين: أي: المؤمن والكافر .
كالأعمى والأصم: فالكافر أعمى عن رؤية الحق ،أصم ،أطرش لا يسمع الحق .
والبصير والسميع: هذا مثل المؤمن .
هل يستويان مثلا: هل يستويان تمثيلا وحالا .
أفلا تذكرون: أي: أفلا تتذكرون ،حذف إحدى التاءين ؛تخفيفا .
التفسير:
24{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} .
أي: صفة الفريقين المذكورين اللذين وصفا سابقا ،وهم الكفار بالشقاء ،والمؤمنون بالسعادة ،كمثل الأعمى الأصم ،والسميع البصير ،الكافر: مثل الأعمى ؛لتعاميه عن وجه الحق في الدنيا والآخرة ؛ومثل الأصم ؛لعدم سماع الحجج فلا يسمع ما ينتفع به ؛لقد أغلق مفاتيح قلبه ،وتركه مظلما لا يسمع الهدى ،ولا يبصر نور الحق حتى فاجأه الموت فرأى الخسران المبين ،ورأى جهنم تتلظى ؛غيظا على من عصى الله تعالى .
أما المؤمن فهو الذي يبصر آيات الله في هذا الكون ،ويتأمل دلائل قدرة الله ،ويسمع صوت الحي ،والقرآن في تدبر وتأمل ؛فيخشع قلبه ويزداد حيا لخالقه ورضي عنه ؛فإذا جاء في الآخرة وجد رضوان الله ونعيم الجنة ،فلا يستوي هذا وذاك صفة وحالا ومالا .
{أفلا تذكرون} .وتعتبرون ؛فيسارع الكافر إلى الإيمان قبل فوات الأوان .
من آيات القرآن
قال تعالى:{لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} .( الحشر: 20 ) .
وقال سبحانه:{وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل ولا الحرور * وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور} .( فاطر: 19 22 ) .
وفي ختام هذا الحديث المتنوع عن أدلة الوحدانية ،وعن إعجاز القرآن الكريم ،وعن حسن عاقبة المؤمنين وعن سوء عاقبة المكذبين ؛ساق القرآن قصصا عن أنبياء الله ورسله ،استغرق معظم السورة ،وفي هذا القصص نماذج عملية على جهاد المرسلين ،وحسن عاقبة المؤمنين ،وهلاك الظالمين ؛ففيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ،وتثبيت للمؤمنين ،نجد ذلك في قصة نوح ،ثم قصة هود ،وقصة صالح ،وقصة إبراهيم ،وقصة لوط ،وقصة شعيب ،وقصة موسى عليهم السلام .
قصة نوح عليه السلام
وردت قصة نوح في سور متعددة ،منها: سورة الأعراف ،وسورة المؤمنون ،وسورة نوح ،إلا أنها وردت هنا في سورة هود بصورة أكثر تفصيلا .
وسورة هود نزلت بعد سورة يونس ،وسورة يونس نزلت بعد سورة الإسراء ،وكان الإسراء قبل الهجرة بسنة وشهرين ،وذلك يوضح الفترة التي نزلت فيها سورة هود ،إنها الفترة التي مات فيها أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم ،وماتت فيها زوجته خديجة ،وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم عام وفاتها: عام الحزن ؛ذلك أن قريشا لم تستطع أن تنال من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،إلا بعد أن مات عمه أبو طالب ،وكان أبو طالب هو الوحيد في قومه الذي يحميه ويدافع عنه .
كانت سورة هود ،رسالة تشد أزر الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ففي مقدمتها عرض يسير للدعوة الإسلامية ؛وأصناف الناس أمامها ،وتثبيت لقلب الرسول صلى الله عليه وسلم ،ثم يأتي قصص الأنبياء حسب التسلسل التاريخي ،نوح ثم هود ،ثم صالح ،ثم إبراهيم ،ثم لوط ،ثم شعيب ،كما تحدثت عن جانب من قصة موسى عليه السلام .
وجميع هؤلاء الرسل كان لهم جهاد وجلاد ومناقشة مع أقوالهم ؛وتحمل لألوان من العذاب والاضطهاد وفي الخاتمة ينصر الله المؤمنين ويهلك الكافرين .
نوح عليه السلام
أرسل الله نوحا إلى قومه فوجد أنهم يعبدون الأصنام ،وكانت في الأصل صورا لقوم صالحين وتماثيل لهم ؛أراد القوم أن يتذكروهم ويقتدوا بهم ،فلما طال العهد عبدوهم ،وتقربوا إليهم ،وهم: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ،وفي قصة نوح بلاء نوح مع ابنه ،ودعوته له إلى الإيمان ،وإعراض الابن عن دعوة نوح ،ومجيء الطوفان ،وغرق الابن ،ودعاء نوح لربه حتى ينجيه ،ثم توضيح الله سبحانه بأن هذا الابن لا يستحق نجاة ؛لأنه عمل عملا غير صالح ،ويعود نوح إلى يقينه وطمأنينته ،ويستعيذ بالله مما سبق ،ويطلب من الله المغفرة والرحمة ،ويستجيب الله دعائه ،و يهيئ له سبل النجاة وسلامة الإقامة .
وفي هذا القصص وأمثاله عبرة وعظة ،وتصديق لما ورد منه في التوراة والإنجيل ،وتفصيل لتاريخ الرسل وكفاحهم ،وتسجيل لجهادهم ،وتسرية لقلب الرسول صلى الله عليه وسلم ،وتثبيت للمؤمنين ،وتبصير للكافرين .