ويدل قوله تعالى{ فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء} على أن هذا العصيان لم يكن من كل بني إسرائيل ، وأن هذا الرجز كان خاصا بالظالمين منهم الذين فسقوا عن الأمر ولم يمتثلوه .وقد أكد هذا المعنى أشد التأكيد بوضع المظهر موضع المضمر فقال{ فأنزلنا على الذين ظلموا} ولم يقل فأنزلنا عليهم:ولعل وجه الحاجة إلى التأكيد الاحتراس من إبهام كون الرجز كان عاما كما هو الغالب فيه ، ثم أكده بتأكيد وهو قوله{ بما كانوا يفسقون} وفي هذا الضرب من المقابلة من تعظيم شأن المحسنين ما فيه .
وأقول الآن:القاعدة أن ترتيب الحكم على المشتق يدل على أن مصدره علة له كقوله{ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} فالسرقة علة للقطع .والموصول مع صلته هنا كذلك ، والمعنى{ فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء} بسبب ظلمهم ، ثم أكدها هذا السبب الخاص العارض المعبر عنه بالفعل الماضي ببيان سبب عام يشمله ويشمل غيره هم يفعلونه دائما وهو قوله{ بما كانوا يفسقون} أي بسبب تكرار الفسوق والعصيان منهم واستمرارهم عليه الذي كان هذا الظلم منه .
( قال الأستاذ ) ونكست عن تعيين نوع ذلك الرجز كما هو شأننا في كل ما أبهمه القرآن .وقال المفسر وغيره إنه الطاعون ، واحتج بعضهم عليه بقوله تعالى{ من السماء} وهو كما تراه .والرجز هو العذاب وكل نوع منه رجز .وقد ابتلى الله بني إسرائيل بالطاعون غير مرة ، وابتلاهم بضروب أخرى من النقم في إثر كل ضرب من ضروب ظلمهم وفسوقهم ، ومن أشد ذلك تسليط الأمم عليهم ، وحسبنا ما جاء في القرآن عبرة وتبصرة فنعين ما عينه ، ونبهم ما أبهمه{ والله يعلم وأنتم لا تعلمون} .