وسنة الله تعالى واحدة ، فهو يعامل القرون الحاضرة بمثل ما عامل به القرون الخالية ، ولذلك قال{ فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين} .
أي جعلنا هذه العقوبة نكالا وهو ما يفعل بشخص من إيذاء وإهانة ليعتبر غيره أي عبرة ينكل من يعلم بها أي يمتنع من اعتداء الحدود ، ومن هذه المادة ( النكل ) للقيد أو هو أصلها ومنها النكول عن اليمين في الشرع وهو الامتناع ، وما بين يديها يراد به من وقعت في زمنهم كما يراد بما خلفها من بعدهم إلى ما شاء لله تعالى .
وأما كونها موعظة للمتقين فهو أن المتقي يتعظ بها في نفسه بالتباعد عن الحدود التي يخشى اعتداؤها{ تلك حدود الله فلا تقربوها} ويعظ بها غيره أيضا ولا يتم كون تلك العقوبة نكالا للمتقدمين والمتأخرين وموعظة للمتقين ، إلا إذا كانت جارية على السنة المطردة في تربية الأمم وتهذيب الطباع ، وذلك ما هو معروف لأهل البصائر ، ومشهور عند عرفاء الأوائل والأواخر [ وحديث المسخ والتحويل وأن أولئك قد تحولوا من أناس إلى قردة وخنازير إنما قصد به التهويل والإغراب فاختيار ما قاله مجاهد هو الأوفق بالعبرة والأجدر بتحريك الفكرة] .
وأقول:إنه ليس في تفسير الآية حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم نص فيه على كون ما ذكر مسخا لصورهم وأجسادهم .وقد ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره قول مجاهد في أن المسخ معنوي وقول الآخرين إنه صوري ، ثم قال والصحيح أنه معنوي صوري .فما مراده بذلك ؟