{ إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار * كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب * قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد * قد كان لكم آية في فئتين فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} .
قال الأستاذ الإمام في تفسير{ إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا} ما مثاله:يقال إن هذه الآية وما قبلها في تقرير التوحيد سواء كان ردا على نصارى نجران أو كان كلاما مستقلا ، فإن التوحيد لما كان أهم ركن للإسلام كان مما تعرف البلاغة أن يبدأ بتقرير الحق في نفسه ، ثم يؤتى ببيان حال أهل المناكرة والجحود ومناشئ اغترارهم بالباطل وأسباب استغنائهم عن ذلك الحق أو اشتغالهم عنه .وأهمها الأموال والأولاد فهي تنبئهم هنا بأنها لا تغني عنهم في ذلك اليوم الذي لا ريب فيه ، إذ يجمع الله فيه الناس ويحاسبهم بما عملوا ، بل ولا في أيام الدنيا لأن أهل الحق لا بد أن يغلبوهم على أمرهم ، وما أحوج الكافرين إلى هذا التذكير أن الجحود إنما يقع من الناس للغرور بأنفسهم وتوهمهم الاستغناء عن الحق ، فإن صاحب القوة والجاه إذا وعظ بالدين عند هضم حق من الحقوق لا يؤثر فيه الوعظ ، ولكنه إذا رأى أن الحق له واحتاج إلى الاحتجاج عليه بالدين ، فإنه ينقلب واعظا بعد أن كان جاحدا .فهم لظلمة بصيرتهم وغرورهم بما أوتوا من مال وجاه يتبعون الهوى في الدين في كل حال .
قال:فسر مفسرنا ( الجلال )"تغني "بتدفع وهو خلاف ما عليه جمهور المفسرين .وإنما تغني هنا كيغني في قوله عز وجل:{ إن الظن لا يغني من الحق شيئا} [ يونس:36] ولا أراك تقول إن معناها لن يدفع من الحق شيئا وإنما معنى"من "هنا البدلية أي إن أموالهم وأولادهم لن تكون بدلا لهم من الله تعالى تغنيهم عنه .فإنهم إذا تمادوا على باطلهم يغلبون على أمرهم في الدنيا ويعذبون في الآخرة كما سيأتي في الآية التي تلي ما بعد هذه بل توعدهم في هذه أيضا بقوله:{ وأولئك هم وقود النار} الوقود بالفتح ( كصبور ) ما توقد به النار من حطب ونحوه .قال الأستاذ الإمام هنا:أي إنهم سبب وجود نار الآخرة كما أن الوقود سبب وجود النار في الدنيا أو أنهم مما توقد به ، ولا نبحث عن كيفية ، ذلك فإنه من أمور الغيب التي تؤخذ بالتسليم ( راجع تفسير{ وقودها الناس والحجارة} [ البقرة:24] ففيها مزيد بيان ) .