( وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ) .
( آتوا ) أعطوا ( اليتامى ) جمع يتيم وهو من الناس من فقد أباه قبل بلوغه السن التي يستغني فيها عن كفالته ، ومن الحيوان من فقد أمه صغيرا لأن إناث الحيوان هي التي تكفل صغارها .وكل منفرد يتيم ومنه الدرة اليتيمة .ولم ينقل من جمع فعيل على فعالى ما يعدونه به مقيسا ، ولذلك قيل إن لفظ يتيم قد جمع هذا الجمع لأنه أجرى مجرى الأسماء الخ ما قالوا:( ولا تتبدوا الخبيث بالطيب ) أي لا تأخذوا الخبيث فتجعلوه بدلا من الطيب .يقال تبدل الشيء بالشيء واستبدله به إذا أخذ الأول بدلا من الثاني الذي دخلت عليه الباء بعد أن كان حاصلا له أو في شرف الحصول ومظنته ، يستعملان دائما بالتعدي إلى المأخوذ بأنفسهما وإلى المتروك بالباء كما تقدم في قوله تعالى:( أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) [ البقرة:61] وأما التبديل فيستعمل بالوجهين ( والخبيث ) ما يكره رداءة وخساسة محسوسا كان أو معقولا ، من خبث الحديد وهو صدأه ، قال الراغب .وأصله الرديء الدخلة الجاري مجرى خبث الحديد كما قال الشاعر:
سبكناه ونحسبه لجينا *** فأبدى الكير عن خبث الحديد
وذلك يتناول الباطل في الاعتقاد والكذب في المقال والقبيح في الفعال .ثم أورد الآيات في هذه المعاني المختلفة .قال وأصل ( الطيب ) ما تستلذه الحواس وما تستلذه النفس .أقول:وهو كمقابله يوصف به الشخص ومنه قوله تعالى:( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ، والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ) [ النور:25] والأشياء ومنه قوله تعالى:( ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) [ الأعراف:157] وقوله:( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ) [ الأعراف:58] والأعمال ومنه الآية التي نفسرها في قول من قال إن معناها ولا تتبدلوا العمل الخبيث بالعمل الطيب أن تجعلوه بدلا منه .ومنه مثل الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة في سورة إبراهيم:( والحوب ) الإثم ومصدره بفتح الحاء .وذكر الراغب أن الأصل فيه كلمة"حوب "لزجر الإبل .قال وفلان يتحوب من كذا أي يتأثم ، وقولهم:ألحق الله به الحوبة أي المسكنة والحاجة ، وحقيقتها هي الحاجة التي تحمل صاحبها على ارتكاب الإثم ، والحوباء قيل هي النفس وحقيقتها هي النفس المرتكبة للحوب اه .ويروى عن ابن عباس رضي الله عنه تفسيره بالإثم وبالظلم .وفي الطبراني أن نافع بن الأزرق سأله عنه فقال:هو الإثم بلغة الحبشة .قال:فهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم أما سمعت قول الأعشى:
فإني وما كلفتموني من أمركم *** ليعلم من أمسى أعق وأحوبا{[416]}
وحاب يحوب حوبا وحابا قال الزمخشري وهما كالقول والقال ، وقال القفال أصله التحوب وهو التوجع ، فالحوب ارتكاب ما يتوجع منه .