{ لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} أي هلا ينهى هؤلاء المسارعين فيما ذكر أئمتهم في التربية والسياسة وعلماء الشرع والفتوى فيهم ، عن قول الإثم كالكذب ، وأكل السحت كالرشوة ! لبئس ما كان يصنع هؤلاء الربانيون والأحبار ، من الرضى بهذا الأوزار ، وترك فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .روي عن ابن عباس أنه قال:ما في القرآن أشد توبيخا من هذه الآية أي فهي حجة على العلماء إذا قصروا في الهداية والإرشاد ، وتركوا السوء الذين أضاعوا الدين وأفسدوا الأمة بترك هذه الفريضة ؟ ومن العجائب أننا نقرأ توبيخ القرآن لعلماء اليهود على ذلك ، ونعلم أن القرآن أنزل موعظة وعبرة .ثم نعتبر بإهمال علمائنا لأمر ديننا .وعناية علمائهم في هذا العصر بأمر دينهم ودنياهم ! ! وسيأتي بسط هذا المعنى إن شاء الله تعالى .
ومن مباحث البلاغة في التعبير التفرقة بين يعلمون ويصنعون .قال الراغب:الصنع إجادة الفعل فكل صنع فعل ، وليس كل فعل صنعا ، ولا ينسب إلى الحيوانات والجمادات كما ينسب الفعل اه ، وقال غيره:الصنع أخص من العمل فهو ما صار ملكة منه ، والعمل أخص من الفعل ، لأنه فعل بقصد .وقال في الكشاف:كأنهم جعلوا آثم من مرتكبي المناكير ، لأن كل عامل يسمى صانعا ولا كل عمل يسمى صناعة ، حتى يتمكن فيه ويتدرب وينسب إليه ، وكان المعنى في ذلك أن موقع المعصية معه الشهوة التي تدعوه وتحمله على ارتكابها ، وأما الذي ينهاه فلا شهوة معه في فعل غيره فإذا فرط في الإنكار كان أشد إثما من المواقع اه .والذي أفهمه أن معاصي العوام من قبيل ما يحصل بالطبع ، لأنه اندفاع مع الشهوة بلا بصيرة ، ومعصية العلماء بترك النهي عن المنكر والأمر بالمعروف من قبيل الصناعة المتكلفة لفائدة للصانع فيها يلتمسها ممن يصنع له .وما ترك العلماء النهي عن المنكر وهم يعملون ما أخذهم الله عليهم من الميثاق إلا تكلفا لإرضاء الناس ، وتحاميا لتنفيرهم منهم ، فهو إيثار لرضاهم على رضوان الله وثوابه .والأقرب أن يكون من الصنع – لا من الصناعة ، وهو العمل الذي يقدمه المرء لغيره يرضيه به .