/م30
تفسير بقية الآيات في اليهود والنصارى
{ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم} هذا استئناف بين به ما في قوله:{ يضاهئون قول الذين كفروا من قبل} من الإجمال ، فإن أهل الكتاب لو أطلقوا لقب ابن الله على عزير والمسيح إطلاقا مجازيا كما أطلق في كتبهم ولم يضاهئوا به من قبلهم من الوثنيين لما كانوا به كفارا ،ً وإنما كانوا كفاراً بهذه الوثنية التي أشير إليها بهذه المضاهأة وبينها بهذه الآية .
الأحبار جمع حبر بفتح الحاء المهملة وكسرها ، وهو العالم من أهل الكتاب ، والرهبان جمع راهب ، ومعناه في اللغة الخائف ، وهو عند النصارى المتبتل المنقطع للعبادة ، والرهبانية في النصرانية بدعة ، كما قال تعالى:{ ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم} [ الحديد:27] ، وكانت نيتهم فيها صالحة كما قال تعالى:{ إلا ابتغاء رضوان الله}[ الحديد:27] ، ذلك بأن الأصل فيها تأثير مواعظ المسيح عليه السلام في الزهد والإعراض عن لذات الدنيا ، ثم صار أكثر منتحليها من الجاهلين والكسالى ، فكانت عبادتهم صورية أعقبتهم رياء وعجباً وغرورا بأنفسهم وبتعظيم العامة لهم ، ولذلك قال تعالى:{ فما رعوها حق رعايتها} [ الحديد:27] ، ولما صارت النصرانية ذات تقاليد منظمة في القرن الرابع وضع رؤساؤهم نظماً وقوانين للرهبانية ولمعيشتهم في الأديار .وصار لها عندهم فرق كثيرة يشكو بعض أحرارهم من مفاسدهم فيها .فكان ذلك مصداقاً لقوله تعالى في سلفهم المخلصين{ فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم} [ الحديد:27] ، وفي خلفهم المرائين{ وكثير منهم فاسقون} [ الحديد:16] ، وهذه الآية من تحرير القرآن للحقائق في المسائل الكبيرة بعبارة وجيزة ، هي الحق المفيد فيها ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الرهبانية في الإسلام لما سنبينه في تفسير سورة الحديد إن شاء الله تعالى أن يحيينا ويوفقنا لتفسيرها .
والمعنى اتخذ كل من اليهود والنصارى رؤساء الدين فيهم أرباباً ، فاليهود اتخذوا أحبارهم -وهم علماء الدين فيهم- أرباباً بما أعطوهم من حق التشريع فيهم وأطاعوهم فيه ، والنصارى اتخذوا رهبانهم -أي عبادهم الذين يخضع العوام لهم- أربابا كذلك .والأظهر أن يكون المراد من الأحبار والرهبان جملة رجال الدين في الفريقين ، أي من العلماء والعباد ، فذكر من كل فريق ما حذف مقابله من الآخر على طريقة الاحتباك ، أي اتخذ اليهود أحبارهم وربانيهم والنصارى قسوسهم ورهبانهم أرباباً غير الله وبدون إذنه ، بإعطائهم حق التشريع الديني لهم وبغير ذلك مما هو حق الرب تعالى .والرهبان عند النصارى أدنى طبقات رجال الدين ، فاتخاذهم أرباباً يستلزم اتخاذ من فوقهم من الأساقفة والمطارنة والبطاركة بالأولى ، فالرهبان يخضعون لتشريع هؤلاء الرؤساء مدوناً كان أو غير مدوّن ، والعوام يخضعون لتشريع الرهبان ولو غير مدوَّن ، سواء قالوه بالتبع لمن فوقهم ، أو من تلقاء أنفسهم ، لثقتهم بدينهم .وكذلك اتخذوا المسيح ابن مريم رباً وإلهاً .
أشرك تعالى بين اليهود والنصارى في اتخاذ المسيح رباً وإلهاً يعبدونه ، واليهود لم يعبدوا عزيراً ، ولم يؤثر عمن قال منهم أنه ابن الله أنهم عنوا ما يعنيه النصارى من قولهم في المسيح أنه هو الله الخالق المدبر لأمور العباد ، ومن النصارى من يعبدون أمه عبادة حقيقة ويصرحون بذلك ، وجميع الكاثوليك والأرثوذكس يعبدون تلاميذه ورسله وغيرهم من القديسين في عرفهم ، يتوسلون بهم ، ويتخذون لهم الصور والتماثيل في كنائسهم ، ولكنهم لا يسمون هذا عبادة في الغالب .والظاهر أن من كان قد تنصر من مشركي العرب لم يكونوا يعبدون هؤلاء الرؤساء والكبراء في الملة إلا قليلاً .وأما اتخاذهم أرباباً بالمعنى المأثور في تفسير الآية فقد كان عاما عند الفريقين ، فإن اليهود لم يقتصروا في دينهم على أحكام التوراة ؛ بل لم يلتزموها ؛ بل أضافوا إليها من الشرائع اللسانية عن رؤسائهم ما كان خاصاً ببعض الأحوال من قبل أن يدونوه في المشنه والتلمود ، ثم دونوه فكان هو الشرع العام ، وعليه العمل عندهم .
وأما النصارى فقد نسخ رؤساؤهم جميع أحكام التوراة الدينية والدنيوية على إقرار المسيح لها ، واستبدلوا بها شرائع كثيرة في العقائد والعبادات والمعاملات جميعا ، وزادوا على ذلك انتحالهم حق مغفرة الذنوب لمن شاؤوا ، أو حرمان من شاؤوا من رحمة الله وملكوته ، وهذا حق الله وحده{ ومن يغفر الذنوب إلا الله} ؟ [ آل عمران:135] أي لا أحد .والقول بعصمة البابا رئيس الكنيسة في تفسير الكتب الإلهية ، ووجوب طاعته في كل ما يأمر به من العبادات وتحريم المحرمات .
روى الترمذي –وحسنه- وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه وغيرهم عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال:أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ في سورة براءة{ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} ، فقال:( أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه ، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه ){[1537]} ، كذا في الدر المنثور .
قال ابن كثير:وروى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير من طرق عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه لما بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فر إلى الشام ، وكان قد تنصر في الجاهلية ، فأسرت أخته وجماعة من قومه ، ثم منَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أخته وأعطاها فرجعت إلى أخيها فرغبته في الإسلام وفي القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدم عدي المدينة ، وكان رئيساً في قومه طيئ ، وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم ، فتحدث الناس بقدومه ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنق عدي صليب من فضة ، وهو يقرأ هذه الآية{ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} قال:فقلت:إنهم لم يعبدوهم ، فقال:«بلى إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم » وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( يا عدي ما تقول ؟ أيضرك أن يقال:الله أكبر ؟ فهل تعلم شيئا أكبر من الله ؟ ما يضرك ؟ أيضرك أن يقال:لا إله إلا الله ؟ فهل تعلم إلهاً غير الله ) .ثم دعاه إلى الإسلام فأسلم وشهد شهادة الحق ، قال:فلقد رأيت وجهه استبشر ، ثم قال:( إن اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون ){[1538]} ، وهكذا قال حذيفة بن اليمان وعبد الله وغيرهما في تفسير هذه الآية . اه وسنذكر في إسلامه حديثا آخر قريباً .
ولبعض المفسرين أقوال في الآية جديرة بأن تنقل بنصها لما فيها من العبرة لأهل هذا العصر:
قال العلامة الشيخ سليمان بن عبد القوي الطوفي الحنبلي في تفسير هذه الآية من كتابه ( الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية )-أي ما يتعلق بأصول العقائد وأصول الفقه في القرآن- ما نصه:«أما المسيح فاتخذوه رباً معبوداً بالحقيقة ، وأما الأحبار لليهود والرهبان للنصارى فإنما اتخذوهم أرباباً مجازاً ، لأنهم أمروهم بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وإنكار رسالته فأطاعوهم ، وغير ذلك مما أطاعوهم فيه فصاروا كالأرباب لهم بجامع الطاعة ، والنصارى يزعمون أن المسيح قال لتلاميذه عند صعوده عنهم:ما حللتموه فهو محلول في السماء ، وما ربطتموه فهو مربوط في السماء .فمن ثم إذا أذنب أحدهم ذنبا جاء بالقربان إلى البترك{[1539]} أو الراهب ، وقال:يا أبانا اغفر لنا ، بناء على أن خلافة المسيح مستمرة فيهم ، وأنهم أهل الحل والعقد في السماء والأرض على ما نقلوه عن المسيح وهو من ابتداعاتهم في الدين{ وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً} [ التوبة:31] الآية ، بدليل قول المسيح{ يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم عليه الجنة ومأواه النار} اه .
أقول:أما عبارته في الحل والربط فهي موافقة لترجمة اليسوعيين في التعبير بالفعل الماضي ، وأما الترجمة الأميركانية فهي بالفعل المضارع هكذا:« الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء ، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء » .وأما أمر المسيح إياهم بعبادة الله ربه وربهم وكذلك موسى عليه السلام فسيأتي .
وقال الإمام الرازي في تفسيره ( مفاتيح الغيب ):الأكثرون من المفسرين قالوا:ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا أنهم آلهة العالم ، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم .نقل أن عدي بن حاتم كان نصرانياً فانتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ سورة براءة فوصل إلى هذه الآية قال:فقلت:لسنا نعبدهم ، فقال:( أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ؟ ويحلون ما حرم الله فتستحلونه ؟ قلت:بلى .قال:فتلك عبادتهم ) .وقال الربيع:قلت لأبي العالية:كيف كانت تلك الربوبية في بني إسرائيل{[1540]} ؟ فقال:إنهم ربما وجدوا في كتاب الله ما يخالف أقوال الأحبار والرهبان ، فكانوا يأخذون بأقوالهم ، وما كانوا يقبلون حكم كتاب الله تعالى .
( ثم قال الرازي ):قال شيخنا ومولانا خاتمة المحققين والمجتهدين رضي الله عنه{[1541]}:قد شاهدت جماعة من مقلدة الفقهاء قرأت عليهم آيات كثيرة من كتاب الله تعالى في بعض مسائل ، وكانت مذاهبهم بخلاف تلك الآيات ، فلم يقبلوا تلك الآيات ، ولم يلتفتوا إليها وبقوا ينظرون إلي كالمتعجب ، يعني كيف يمكن العمل بظواهر هذه الآيات مع أن الرواية عن سلفنا وردت على خلافها ؟ ولو تأملت حق التأمل وجدت هذا الداء سارياً في عروق الأكثرين من أهل الدنيا اه .
ثم قال:( فإن قيل ):إنه تعالى لما كفرهم بسبب أنهم أطاعوا الأحبار والرهبان فالفاسق يطيع الشيطان فوجب الحكم بكفره كما هو قول الخوارج .والجواب:أن الفاسق وإن كان يقبل دعوة الشيطان إلا أنه لا يعظمه ، لكن يلعنه ويستخف به ، أما أولئك الأتباع كانوا(؟ ) يقبلون قول الأحبار والرهبان ويعظمونهم فظهر الفرق .
قال:( والقول الثاني ) في تفسير هذه الربوبية:إن الجهال والحشوية إذا بالغوا في تعظيم شيخهم وقدوتهم فقد يميل طبعهم إلى القول بالحلول والاتحاد ، وذلك الشيخ إذا كان طالباً للدنيا بعيداً عن الدين فقد يلقي إليهم أن الأمر كما يقولون ويعتقدون ، وشاهدت بعض المزورين ممن كان بعيدا عن الدين كان يأمر أتباعه وأصحابه بأن يسجدوا له ، وكان يقول لهم:أنتم عبيدي ، فكان يلقي إليهم من حديث الحلول والاتحاد أشياء ولو خلا ببعض الحمقى من أتباعه فربما ادعى الأولوهية ، فإذا كان هذا مشاهداً في هذه الأمة فكيف يبعد ثبوته في الأمم السالفة .
قال:وحاصل الكلام أن تلك الربوبية يحتمل أن يكون المراد منها أنهم أطاعوهم فيما كانوا مخالفين فيها لحكم الله ، وأن يكون المراد منها أنهم قبلوا منهم أنواع الكفر فكفروا بالله ، فصار ذلك جارياً مجرى أنهم اتخذوهم أربابا من دون الله ، ويحتمل أنهم أثبتوا في حقهم الحلول والاتحاد ، وكل هذه الوجوه الأربعة مشاهد وواقع في هذه الأمة اه كلام الرازي .
( يقول محمد رشيد ):إننا أوردنا هذا عن هذين المفسرين من أشهر مفسري القرون الوسطى وأكبر نظارها ليعتبر به مسلمو هذا العصر الذين يقلدون شيوخ مذاهبهم الموروثة بغير علم في العبادات والحلال والحرام بدون نص من كتاب الله قطعي الدلالة ، أو سنة رسوله القطعية المتبعة بالعمل المتواتر ، ولا من حديث صحيح ظاهر الدلالة أيضاً ، بل فيما يخالف النصوص وكذا أصول أئمتهم أيضاً ، والذين يتبعون مشايخ الطرق في بدعهم وغلوهم وضلالهم ، ويوجد فيهم في هذا الزمان من هم مثل من ذكر الرازي ومن هم شر منهم ، وقد بلغني عن معاصر من الدجالين المنتحلين للتصوف في مصر أنه قال لبعض الزائرين له ممن يظن أنه لا يقول بالخرافات:إن مريدي وأتباعي يعتقدون أنني أعلم الغيب ، فماذا أفعل ؟ وبلغني عن رجلين لا يعرف أحدهما الآخر أن كلا منهما رأى في المسجد الحرام أحد تلاميذ هذا الدجال يقول:نويت أن أصلي ركعتين لسيدي الشيخ فلان ، أو قال:لوجه الشيخ فلان .
وأما المقلدون لمنتحلي الفقه المذهبي في كل ما يقولون بآرائهم وتقاليدهم أنه حلال أو حرام- وإن خالف السنة ونص القرآن- فهذا داء عام قلما كنت تجد قبل هذه السنين الأخيرة في البلد الكبير أحداً يخالفه فيؤثر ما صح في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على قول مشايخ مذهبه إلا أفراداً غير مجاهرين ، ونحمد الله تعالى أن رأينا تأثيراً كبيراً لدعوتنا المسلمين إلى هداية الكتاب والسنة ، فصار يوجد في مصر وغيرها ألوف من الناس على هذه الهداية ، ومنهم الدعاة إليها وأولو الجمعيات التي أسست للتعاون على نشرها ، على تفاوت بينهم في العلم بهما ، وجهل بعضهم أصل هذه الدعوة ومن جدد نشرها .
( وقال ) السيد حسن صديق في تفسيره ( فتح البيان في مقاصد القرآن ) ما نصه:
وفي هذه الآية ما يزجر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد عن التقليد في دين الله ، وتأثير ما يقوله الأسلاف على ما في الكتاب العزيز والسنة المطهرة ، فإن طاعة المتمذهب لمن يقتدي بقوله ويستن بسنته من علماء هذه الأمة مع مخالفته لما جاءت به النصوص وقامت به حجج الله وبراهينه ، ونطقت به كتبه وأنبياؤه ، هو كاتخاذ اليهود والنصارى للأحبار والرهبان أرباباً من دون الله للقطع بأنهم لم يعبدوهم ، بل أطاعوهم وحرموا ما حرموا وحللوا ما حللوا ، وهذا هو صنيع المقلدين من هذه الأمة ، وهو أشبه به من شبه البيضة بالبيضة والتمرة بالتمرة والماء بالماء .فيا عباد الله ، ويا أتباع محمد بن عبد الله ، ما بالكم تركتم الكتاب والسنة جانباً ، وعمدتم إلى رجال هم مثلكم في تعبد الله لهم بهما ، وطلبه للعمل منهم بما دلا عليه وأفاداه ؟ فعلمتم بما جاؤوا به من الآراء التي لم تعمد بعماد الحق ، ولم تعضد بعضد الدين ونصوص الكتاب والسنة ، بل تنادي بأبلغ نداء وتصوت بأعلى صوت بما يخالف ذلك ويباينه ، فأعرتموها آذاناً صماً ، وقلوباً غلفاً ، وأفهاماً مريضة ، وعقولاً مهيضة ، وأذهاناً كليلة ، وخواطر عليلة ، وأنشدتم بلسان الحال:
وما أنا إلا من غزيّة إن غَوَتْغَويْتُ وإن ترشد غزيَّة أرشُدِ{[1542]}
فدعوا أرشدكم الله وإياي كتباً كتبها لكم الأموات من أسلافكم ، واستبدلوا بها كتاب الله خالقهم وخالقكم ، ومتعبدهم ومتعبدكم ، ومعبودهم ومعبودكم ، واستبدلوا بأقوال من تدعونهم بأئمتكم وما جاءوكم به من الرأي أقوال إمامكم وإمامهم ، وقدوتهم وقدوتكم ، وهو الإمام الأول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم:
دعوا كل قول عند قول محمد فما آمن في دينه كمخاطر
اللهم هادي الضال مرشد التائه موضح السبيل اهدنا إلى الحق ، وأرشدنا إلى الصواب ، وأوضح لنا منهج الهداية .اه .
أقول:والتحقيق أن اتخاذ الأرباب غير اتخاذ الآلهة ، وأنهما يجتمعان ويفترقان:فإن رب العالمين هو خالقهم ومربيهم بنعمه ومدبر أمورهم بسننه الحكيمة وشارع الدين لهم ، وأما الإله فهو المعبود بالفعل ، أي الذي تتوجه إليه قلوب العباد بالأعمال النفسية والبدنية ، والتروك للقربة ورجاء الثواب ومنع العقاب عن اعتقاد أنه صاحب السلطان الأعلى والقدرة على النفع والضر بالأسباب المعروفة وغير المعروفة ؛ إذ هو مسخرها بغيرها إن شاء .والحقيق بالعبادة هو الرب الخالق المدبر وحده ، ولكن من البشر من يترك عبادته ، ومنهم من يعبد غيره معه أو من دونه .وكانت العرب تتخذ أصناما تعبدها ، ولكنهم لم يتخذوها أرباباً ؛ بل شهد القرآن بأنهم كانوا يعتقدون ويصرحون بأن الله الخالق لكل شيء هو رب كل شيء ومليكه ومدبر أمره ، وهو يحتج عليهم بأن الرب هو الحقيق بالعبادة وحده دون غيره ، فلا ينبغي لهم أن يعبدوا أحداً من دونه لا بشراً ولا ملكاً ولا شيئاً سفلياً ولا علوياً .
فمن اعتقد أن إنساناً أو ملكاً أو غيرهما من الموجودات يخلق كما يخلق الله أو يقدر على تدبير شيء من أمور الخلق والتصرف فيها قدرته الذاتية غير مقيد بسنن الله تعالى العامة في الأسباب والمسببات كأمثاله من أبناء جنسه فقد اتخذه ربا .وكذلك من أعطى أي إنسان حق التشريع الديني بوضع العبادات كالأوراد المبتدعة التي تتخذ شعائر موقوتة كالفرائض ، وبالتحريم الديني الذي يتبع خوفاً من سخط الله ورجاء في ثوابه ، فقد اتخذه رباً ، وأما إذا دعاه فيما لا يقدر عليه المخلوقون بما لهم من الكسب في دائرة السنن الكونية والأسباب الدنيوية ، أو سجد له ، أو ذبح القرابين له وذكر عليها اسمه ، أو طاف بقبره وتمسح به وقبله تقرباً إليه وابتغاء مرضاته وعطفه أو إرضائه الله عنه وتقريبه إليه زلفى- كما يطوف بالكعبة ويستلم الحجر الأسود ويقبله ولم يعتقد مع هذا أنه يخلق ويرزق ويدبر أمور العباد- فقد اتخذه إلهاً لا ربا ، فإن جمع بين الأمرين فهو المشرك في الربوبية والألوهية معاً كما بينا هذا مراراً كثيرة .
وقد ثبت في الآيات المحكمة القطعية الدلالة أن الله تعالى هو شارع الدين ، وأن رسوله صلى الله عليه وسلم هو المبلغ له عنه{ إن عليك إلا البلاغ} [ الشورى:48] ،{ ما على الرسول إلا البلاغ} [ المائدة:99] ،{ فإنما عليك البلاغ} [ آل عمران:20] ، فهذه أنواع الحصر التي هي أقوى الدلالات .وأركان الدين التي لا تثبت إلا بنص كتاب الله تعالى أو بيان رسوله صلى الله عليه وسلم لمراده منه ثلاث:
( 1 ) العقائد .
( 2 ) العبادات المطلقة والمقيدة بالزمان أو المكان أو الصفة أو العدد ، ككلمات الأذان والإقامة المعدودة المشروط فيها رفع الصوت .
و( 3 ) التحريم الديني .
وما عدا ذلك من أحكام الشرع فيثبت باجتهاد الرأيفيما ليس له فيه نص ، ومداره على إقامة المصالح ودفع المفاسد كما بيناه في محله بالتفصيل ، ونصوص الكتاب وهدي السنة وعمل السلف الصالح وكلامهم كثير في هذا ، ولا سيما التحريم الديني الذي هو موضوعنا هنا ، وكونه لا يثبت إلا بدليل قطعي الرواية والدلالة .
نقل ابن مفلح عن شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية أن السلف لم يطلقوا الحرام إلا على ما علم تحريمه قطعاً ، وذكر عقبه أن في إطلاق الحرام على ما ثبت بدليل ظني روايتين في المذهب .
ونحن نقول يكفينا هدي السلف الصالح المتفق عليه بينهم ترجيحاً للرواية الموافقة لما نقله ابن تيمية وغيره ، وتضعيفاً للرواية الأخرى ، وإن جرى عليها الكثيرون أو الأكثرون من المؤلفين المقلدين ومن بعدهم وتبعهم العوام حتى عسروا ما يسره الله من دينه ، وأوقعوا أنفسهم والناس في أشد الحرج الذي نفى الله تعالى قليله وكثيره بقوله:{ وما جعل عليكم في الدين من حرج} [ الحج:78] ،{ ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} [ المائدة:6] ،{ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [ البقرة:185] .
وروى الإمام الشافعي في الأم عن القاضي أبي يوسف معنى ما ذكره الشيخ تقي الدين ابن تيمية عن السلف رحمهم الله تعالى ولكن بعبارة أخص وأقوى وهي:
«أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون في الفتيا أن يقولوا:هذا حلال وهذا حرام ، إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بيناً بلا تفسير .حدثنا ابن السائب عن ربيع بن خيثم وكان أفضل التابعين أنه قال:إياكم أن يقول الرجل:إن الله أحل هذا أو رضيه ، فيقول الله له:لم أحل هذا ولم أرضه .ويقول:إن الله حرم هذا ، فيقول الله:كذبت لم أحرمه ، ولم أنه عنه .وحدثنا بعض أصحابنا عن إبراهيم النخعي أنه حدث عن أصحابه أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه قالوا:هذا مكروه ، وهذا لا بأس به .فأما أن نقول:هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا » اه ولم ينكر عليه الشافعي هذا النقل ولا مضمونه ، بل أقره ، وما كان ليقر مثله إلا إذا اعتقد صحته .
وما نقله الإمام أبو يوسف وشيخ الإسلام ابن تيمية عن السلف هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكبار علماء التابعين وأئمة الأمصار .فأما السنة وعمل الصحابة فأقوى الحجج فيهما ما علم نصاً وعملاً من عدم تحريم الخمر والميسر تحريماً عاماً تشريعياً بآية البقرة التي تدل عليه دلالة ظنية بقوله تعالى:{ وإثمهما أكبر من نفعهما} [ البقرة:219] ؛ بل ترك الأمر فيها لاجتهاد الأفراد ، فمن فهم من الآية التحريم تركهما ومن لم يفهم ذلك ظل على الأخذ بالإباحة اعتقاداً وعملاً أو اعتقاداً فقط كعمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي ظل يراجع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ويدعو الله تعالى أن يبين لهم في الخمر بياناً شافياً إلى أن نزلت آيات المائدة القطعية الدلالة كما بينا هذا في تفسيرها وفي مواضع أخرى .
وأما أئمة الأمصار فمن النقل العام عنهم ما ذكرناه آنفاً ، ومنه النصوص الخاصة الكثيرة المنقولة عنهم في المسائل التي يرون حظرها ، والتعبير عما ليس فيه نص قطعي منها بمثل أكره كذا ، أو لا أراه ، أو لا أفعله .وفاقاً لما ذكره إبراهيم النخعي من أئمة التابعين عن علماء الصحابة وأمثاله من التابعين .ولكن قسم بعض أتباع أئمة الأمصار ما كانوا يصرحون بكراهته إلى كراهة تحريم وكراهة تنزيه ، وجعل بعضهم التحريم هو الأصل المراد عند الإطلاق غلواً في الدين .
قال ابن مفلح في مقدمة كتابه الفروع في بيان ما جرى عليه الحنابلة فيما يسمونه مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه:وقوله لا ينبغي ، أو لا يصلح ، أو أستقبحه ، أو هو قبيح ، أو لا أراه ، للتحريم اه ومنه يعلم الفرق بين احتياط الإمام أحمد واتقائه تحريم شيء على عباد الله بغير بينة قطعية عن الله تعالى وتساهل بعض الفقهاء من أتباعه وغيرهم وتشديدهم في ذلك .وأحمد الله أنهم لم يتفقوا على أن ما ذكر للتحريم ، فقد نقل عنهم ابن مفلح نفسه قولاً آخر مستنده روايات عن أحمد في عدم التحريم .ثم قال:وفي «أكره » أو «لا يعجبني » أو «لا أحبه » أو «لا أستحسنه » أو «يفعل كذا احتياطاً » وجهان ، وأحب كذا أو يعجبني أو أعجب إليَّ ، للندب ، وقيل للوجوب الخ .
وقوله وجهان:يعني للأصحاب ، أحدهما أنه لكراهة التنزيه ، والثاني أنه للتحريم .وفي تصحيح الفروع عن بعضهم أن الأولى أن ينظر إلى القرائن في كل مسألة ، فتحمل على ما تدل عليه من الأحكام الخمسة .وأقول:ما كان أغناهم عن مجازاة غيرهم بجعل كلامه رحمه الله للتشريع واستنباط الأحكام الشرعية منه ولو بالاحتمال ، وإذا كان كلام الله عز وجل الدال على التحريم بالظن الراجح المحتمل لعدمه بالاجتهاد لم يجعله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه دليلاً على التحريم العام المطلق ويلزموا الأمة العمل به ؛ بل تركوه لاجتهاد الأفراد ، فكيف يجوز أن نجعل كلام من لا يحتج بكلامه مطلقا بإجماع المسلمين دليلا على التحريم العام ؟ مع العلم بأن اجتهاد العالم حجة عليه لا على غيره ؟ وقد تقدم بطلان الأخذ بالتقليد ومنع الأئمة له في مثل ذلك في مواضع كثيرة .
وجملة القول:إن الله تعالى أنكر في كتابه على من يقول برأيه وفهمه:هذا حلال وهذا حرام ، وسماه كذاباً ، وسمى اتباعه شركاً ، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يحرم على الناس شيئاً مما أحل الله تعالى لهم في حديث الثوم والبصل وغيره ، وإنما أحل الله هذين بالنصوص العامة كقوله:{ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} [ البقرة:29] ، وجعله العلماء أصلاً من أصول الأحكام ، فقالوا الأصل في جميع الأشياء أو المنافع الإباحة .
والعمدة في تفسير اتخاذ رجال الدين أرباباً بما تقدم في حديث عدي بن حاتم وما في معناه من الآثار هي الآيات التي أشرنا إليها في كون التحريم على العباد إنما هو حق ربهم عليهم ، وكونه تشريعاً دينياً ، وإنما شارع الدين هو الله تعالى ، فإذا نيط التشريع الديني بغيره تعالى كان ذلك إشراكاً بنص قوله تعالى:{ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} ؟ [ الشورى:21] ، وقد فصلنا هذا في مواضعه الخاصة به .
فليتق الله تعالى من يظنون بجهلهم أن جرأتهم على تحريم ما لم يحرمه الله تعالى على عباده من كمال الدين ، وقوة اليقين ، سواء حرموا ما حرموا بآرائهم وأهوائهم ، أو بقياس في غير محله ، مع كونهم من غير أهله ، أو بالنقل عن بعض مؤلفي الكتب الميتين وإن كبرت ألقابهم ، وكذا إن كان أخذا من نص شرعي لا يدل عليه دلالة قطعية ، على ما تقدم بيانه في الخمر والميسر ، وليتق الله من يضعون للناس الأوراد والأحزاب الكثيرة ، ويجعلونها لهم كشعائر الدين المنصوصة بحملهم عليها في الاجتماعات ، واشتراكهم فيها برفع الأصوات ، أو توقيتها لهم كالصلوات ، فكل ذلك حق لله تعالى وحده ، ولم يكن عند أكمل البشر في الدين من أهل القرون الأولى شيء من ذلك .ووالله إن المأثور في كتاب الله وسنة رسوله من الأذكار والدعوات خير من حزب فلان وورد فلان وأمثال دلائل الخيرات ، وما هي بقليل ، فليراجعوها في كتب الأذكار للمحدثين كأذكار النووي ، وكتاب الحصن الحصين للجزري ، ففيهما ما يكفيهم من الأذكار والأدعية المطلقة والمقيدة بالعبادات المختلفة وبالأزمنة والأمكنة وحدوث الحوادث .
( قد يقول ) نصير للبدعة ، خذول للسنة:إن هذه الأوراد والأحزاب والصلوات التي وضعها شيوخ الطريقة العارفون ، وكبار العلماء العاملون ، من البدع الحسنة التي جربت فائدتها ، وثبتت منفعتها بمواظبة الألوف من المسلمين عليها ، وخشوعهم بتلاوتها ، دون غيرها من الصلوات والأذكار والأدعية المأثورة ، فكيف يصح لأحد أن يأفكهم عنها ؟
وأقول:إن كاتب هذا ممن جربوها بإخلاص وحسن اعتقاد ، وكان يبكي لقراءة ورد السحر ولا يبكي لتلاوة القرآن ، ثم رفعه الله تعالى بعلم الكتاب والسنة ، فعلم أن ذلك كان من الجهل وضعف الإيمان ، وإنه عين ما وقع لمن قبلنا من العباد والرهبان .وإننا نكشف الغطاء عن هذه الشبهة القوية ، التي قد تعد عذراً لجاهل ما ذكرنا من الآيات القرآنية ، وسيرة السلف الصالح المرضية ، دون من تقوم عليه حجة العلم ، ونكتفي في ذلك ببيان الحقائق الآتية:
1إن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم بما يرضيه عز وجل من عبادته ، وما يتزكى به عابدوه منها ، ولا يبيح الإيمان لأحد من أهله أن يقول أو يعتقد أن أحداً من شيوخ الطريق والأولياء يساوي علمه علم الله تعالى أو علم رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك .دع الظن بأنهم يعلمون ما لا يعلم الله ورسوله ، أو فوق ما يعلمان من ذلك ؛ فإنه أصرح في الكفر بقدر ما تدل عليه صيغة( أفعل ) في الموضوع .
2إنه تعالى يقول:{ اليوم أكملت لكم دينكم} [ المائدة:3] فكل من يزيد في الإسلام عبادة أو شعاراً من شعائر الدين فهو منكر لكماله ، مدع لإتمامه ، وإنه أكمل في الدين من محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ، ولله در الإمام مالك القائل:من زعم أنه يأتي في هذا الدين بما لم يأت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة ، والقائل:لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها .
3إنه تعالى يقول:{ اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء} [ الأعراف:3] ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر وغير المنبر:( وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ){[1543]} ، وقد بين العلماء المحققون أن هذه القضية الكلية عامة في الأمور الدينية المحضة كالعبادات كما تقدم مراراً ، وأن البدعة التي تنقسم إلى حسنة وسيئة هي البدعة اللغوية التي موضوعها المصالح العامة من دينية ودنيوية ، كوسائل الجهاد ، وتأليف الكتب ، وبناء المدارس والمستشفيات ، وتنوير المساجد .
إن قيل إن هذه الزيادة التي أتى بها الصالحون هي من المشروع بإطلاقات الكتاب والسنة العامة كقوله تعالى:{ اذكروا الله ذكراً كثيراً} [ الأحزاب:41] ، وقوله:{ صلوا عليه وسلموا تسليماً} [ الأحزاب:56] فلا تنافي ما تقدم قلنا:
4 إن حقيقة الاتباع المأمور به أن يلتزم إطلاق نصوص الكتاب والسنة وتقييد ما قيدته ، ولذلك قال الفقهاء:«وصلاة رجب وشعبان بدعتان قبيحتان مذمومتان » ، وهذه عبارة المنهاج ، وما ذلك إلا أنهما قيدتا بعدد معين وكيفية مخصوصة وزمن مخصوص ، وهذا حق الشارع لا المكلف ، وإلا فهما من الصلاة التي هي أفضل العبادات ، وقد فصل هذا الموضع الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام .
5إن الزيادة على المشروع في العبادة كالنقص منه ، وإن التكلف والمبالغة في المشروع منها غلو في الدين ، وهو مذموم شرعاً بالإجماع ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنه ، والأمر بالمستطاع منه .
6إن الزيادة لا يتحقق كونها زيادة إلا مع الإتيان بالأصل ، فمن ترك شيئاً من المأثور المشروع وأتى بشيء من هذه العبادات المبتدعة فهو مفضل له على ما شرعه الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكفى بذلك ضلالاً واتباعاً للهوى ، ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه يأتي بشيء منها إلا بعد إتيانه بجميع ما صح في الكتاب والسنة في ذلك ، وأكثر المتعبدين بهذه الأوراد والأحزاب لا يعنون بحفظ المأثور ولا يعلمونه إلا قليلاً من المشهور بين العامة كالوارد عقب الصلوات ، وهم يبتدعون فيه بالاجتماع له ، ورفع الصوت به ، كما بينه الشاطبي ، وسماه البدعة الإضافية ، ورد بحق على من تساهل فيه من المتفقهة .
7إن هذه الأوراد والأحزاب لا يخلو شيء منها فيما اطلعنا عليه من أمور منكرة في الشرع ، وأمور لا يجوز فعلها إلا بتوقيف منه ، كوصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه ولا وصفه به رسوله ، أو القسم عليه بخلقه ، أو بحقوقهم عليه بدون إذنه ، أو القسم بغيره وقد سماه الرسول صلى الله عليه وسلم شركاً ، وكذا وصف رسوله صلى الله عليه وسلم بما لا يصح وصفه به ، وإسناد أفعال إليه لم تصح بها رواية ، وكذا الغلو فيه صلوات الله وسلامه عليه مما لا يليق إلا بربه وخالقه وخالق كل شيء ، ومنها ما هو كفر صريح .ولبعض الدجالين المعاصرين صلوات وأوراد فيها من هذه المنكرات ما لا يوجد في غيرها من أمثالها ، والذين يعرفون سيرة هؤلاء الدجالين يعلمون أنهم وضعوها للتجارة بالدين ، واكتساب المال والجاه عند العوام{[1544]} ، ولا تنس ما نقلناه آنفا من تفسيري مفاتيح الغيب وفتح البيان{ ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} [ النور:40] .
8إذا بحث العالم البصير عن سبب عناية كثير من العوام بهذه الأوراد والأحزاب والصلوات المبتدعة ، وإيثارها على التعبد بالقرآن المجيد وبالأذكار والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مع إيمانهم بأن تلاوة القرآن وأذكاره وأدعيته أفضل من كل شيء ، وأن ما ثبت في السنة هو الذي يليها في الفضيلة ، وفي كون كل منهما حقاً في درجته ، لا يجد بعد دقة البحث إلا ما أرشدت إليه الآية الكريمة من شرك أهل الكتاب باتخاذ رؤسائهم أرباباً من دون الله ، بإعطائهم حق التشريع للعبادات والتحليل والتحريم غلواً في تعظيمهم ، ومضاهأة مبتدعة المسلمين لهم في ذلك ، كما ضاهؤوا هم من قبلهم من الوثنيين ، كما أنبأ عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله المروي في الصحيحين وغيرهما:( لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) .قالوا:يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال:فمن ؟ ){[1545]} ، وما قص الله علينا ما قص من كفرهم إلا تحذيراً لنا من مثله .
فأنت إذا بحثت عن عبادات هؤلاء النصارى من جميع الفرق تجد في أيديهم أوراداً وأحزاباً كثيرة منظومة ومنثورة ، كلها من وضع رؤسائهم ، ولكنها ممزوجة بشيء من كتب أنبيائهم ، كصيغة«الصلاة الربانية » ، وبعض عبارات المزامير عند النصارى .وأنّى لأهل الكتاب بسور كسور القرآن ، أو بأدعية وأذكار نبوية كالأذكار والأدعية المحمدية في وصف جلال الله وعظمته وأسمائه الحسنى ، وطلب أفضل ما يطلب منه تعالى من خير الآخرة والدنيا ؟ وهل كان أهل العصر الأول من المسلمين سادة للأمم كلها في فتوحهم وأحكامهم إلا بهداية الكتاب والسنة ؟ وهل صارت الشعوب تدخل في دين الله أفواجاً إلا اهتداءً بهم ؟ ثم هل صارت الشعوب الإسلامية بعد ذلك إلى ما صارت إليه من الذل والصغار ، وتنفير الأمم عن الإسلام ، إلا بترك هدايتهما إلى البدع أو الإلحاد ؟{ ومن يضلل الله فما له من هاد} [ الرعد:33] .
والغلاة المبتدعون لهذه الأوراد والصلوات يخدعون العوام بما يمزجونه فيها من الآيات مع تحريفهم لها عن موضعها التي نزلت فيها أو لأجلها ، ومن الأحاديث وكلام الأئمة والصالحين ، ومنها ما هو كذب صراح ، وما ليس له سند يعتد به ، ويردون على دعاة الكتاب والسنة بأنهم لا يعظمون النبي ، أو يكرهون تعظيمه صلوات الله وسلامه عليه ، لأنهم يقفون فيه عند الحد الشرعي ، وبأنهم يكرهون الأولياء وينكرون مكاشفاتهم وكراماتهم ، والعوام يقبلون هذا منهم لجهلهم بعقيدة الإسلام ، وبإجماع المسلمين على أنه لا يحتج بقول أحد معين ولا بفعله في دين الله تعالى إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا الشيعة الإمامية فإنهم يقولون بعصمة 12 رجلاً من آل البيت ( رض ) أيضا .
وقد أرسل رجل من دجالي عصرنا صلواته وبعض كتبه مع بعض الحجاج الصالحين إلى المدينة المنورة لتوزيعها فيها على نفقة بعض الأغنياء ، فرأى ذلك الحاج النبي صلى الله عليه وسلم في نومه قبل دخول المدينة بليلة يأمره بأن لا يدخل تلك الكتب في مدينته صلى الله عليه وسلم ، فدفنها في ذلك المكان ، ثم أخبر صاحبها بما رأى بعد عودته على مسمع من الناس فبهت الدجال .
إن في بعض كتب الصوفية كثيراً من المعارف والفوائد والمواعظ المؤثرة ، ولكن أكثرها قد أفسد في دين هذه الأمة ما لم تبلغ إلى مثله شبهات الفلاسفة وآراء مبتدعة المتكلمين ؛ لأن هذين النوعين لا ينظر فيهما إلا بعض المشتغلين بالعلم العقلي ، وأما كتب الصوفية فينظر فيها جميع طبقات الناس ، وإن كانت أدق عبارة ، وأخفى إشارة من كتب الفلاسفة ، ولا شك أن خير صوفية هذه الأمة السابقون الذين كانوا لا يتصوفون إلا بعد تحصيل علم الكتاب والسنة والفقه والاعتصام بالعمل على طريقة السلف ، كالإمام الجنيد وطبقته ، ثم ظهر فيهم الغلاة ومن يسمون صوفية الحقائق ، فابتدعوا ما أنكره عليهم الأئمة ، حتى قال الإمام الشافعي:من تصوف أول النهار لا يأتي آخره إلا وهو مجنون .
وأنت ترى أن الحارث المحاسبي من أجل علماء الصوفية ، وقد روى عنه الجنيد ، وكان من التمسك بالسنة بحيث لم يأخذ مما خلفه والده من المال الكثير دانقاً واحداً على شدة فقره ، وعلل ذلك بأنه لا توارث مع اختلاف الدين ، وما كان والده إلا واقفيا ، أي لا يقول:إن القرآن غير مخلوق ، كما أنه لا يقول:هو مخلوق .وقد ألف الحارث في أصول الديانات والزهد على طريق الصوفية ، فسئل الإمام أبو زرعة عنه وعن كتبه فقال للسائل:إياك وهذه الكتب ، بدع وضلالات ، عليك بالأثر ، فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب .قيل له:في هذه الكتب عبرة ، فقال:من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه عبرة .بلغكم أن مالكاً أو الثوري أو الأوزاعي أو الأئمة صنفوا كتباً في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء ؟ هؤلاء قوم قد خالفوا أهل العلم ، يأتوننا مرة بالمحاسبي ، ومرة بعبد الرحيم الدبيلي ، ومرة بحاتم الأصمثم قالما أسرع الناس إلى البدع ! وروى الخطيب بسند صحيح أن الإمام أحمد سمع كلام المحاسبي فقال لبعض أصحابه:ما سمعت في الحقائق مثل كلام هذا الرجل ، ولا رأى لك صحبتهم اه من تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر ، وتعقبه بقوله:( قلت ):إنما نهاه عن صحبتهم لعلمه بقصوره عن مقامهم ، فإنه مقام ضيق لا يسلكه كل أحد ، ويخاف على من يسلكه أن لا يوفيه حقه اه .
فإذا صح هذا التعليل الذي قاله الحافظ في بعض أصحاب الإمام أحمد من خيار علماء السنة أفلا يكون غيرهم كدجاجلة هذا الزمان وعوامه أولى بأن لا ينظروا في كتب من لا يعدون من طبقة الحارث المحاسبي في العلم والعمل ، بحيث إن إمام السنة الأعظم في عصره ( أحمد بن حنبل ) لم ينكر شيئاً مما سمع من كلامه بمخالفته للكتاب والسنة ، وإنما أنكره هو وأبو زرعة لأنه شيء جديد مبتدع في أمر الدين ، يشغل الناظر فيه عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونهى عن صحبتهم لذلك ، أو لضيق مسلكهم ، وكونه لا يفهمه ويستفيد منه إلا من هو مثلهم كما علله الحافظ .
فما القول بعد هذا بكتب من جاء بعد هؤلاء من أصحاب القول بوحدة الوجود وغير ذلك من البدع المصادمة للنصوص ، كمحيي الدين بن عربي الذي يقول في خطبة فتوحاته:
الرب حق والعبد حقيا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك ميتأو قلت رب أنَّى يُكلف
وغير هذا مما ينقض أساس التكليف ، ويصرح بأن الخالق والمخلوق واحد وفي الحقيقة ، وإنما الاختلاف في الصورة ، ومن شعره في ديوانه:
*وما الكلب والخنزير إلا إلهنا *
فهل يجوز لمسلم أن يجعل كلامه وكلام أمثاله حجة ، ويتخذه قدوة في عقيدته وعبادته ويدعو العامة إلى ذلك ؟ ونحن نرى المفتونين به من المتصوفة المتفقهين يقولون:إنه لا يجوز النظر في أمثال هذه الكتب إلا لأهلها من العارفين برموز الصوفية وإشاراتهم الخفية مع العلم بالكتاب والسنة .وقد ذكر الشعراني -وهو أشهر داعية في عصره إلى خرافات الصوفية- أنه سأل شيخه في التصوف عليا الخواص:لماذا يتأول العلماء ما يشكل ظاهره من نصوص الكتاب والسنة دون المشكل من كلام العارفين ؟ فأجابه بأن سبب ذلك القطع بعصمة القرآن وما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أمر الدين ، وعدم عصمة هؤلاء الشيوخ من الخطأ .اه بالمعنى من كتابه الدرر والجواهر ، وهو حق .
وإنني أضرب لك مثلاً للغرور بكتب هؤلاء الصوفية عن الحارث المحاسبي رحمه الله تعالى:نقل عنه الشعراني أنه قال:علمت كتاباً في المعرفة وأعجبت به ، فبينما أنا ذات يوم أنظر فيه مستحسناً له إذ دخل علي شاب عليه ثياب رثة فسلم علي ، وقال:يا أبا عبد الله المعرفة حق للحق على الخلق ، أو حق للخلق على الحق ؟ فقلت:حق على الخلق للحق ، فقال:هو أولى أن يكشفها لمستحقها ، فقلت:بل حق للخلق على الحق ، فقال:هو أعدل من أن يظلمهم .ثم سلم علي وخرج .قال الحارث:فأخذت الكتاب وحرقته وقلت:لا عدت أتكلم بعد ذلك اه .
( أقول ):يعني بالمعرفة هنا المعرفة المصطلح عليها عند الصوفة ، وإنما رجع عنها الحارث لاقتناعه بقول الشاب وتذكيره أنها لو كانت مشروعة مرضية لله تعالى لبينها في كتابه ، فإنه قال:{ ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء} [ النحل:89] ، ويروى عن ذي النون الصوفي الشهير أنه قال:ليس بعارف من وصف المعرفة عند أبناء الآخرة ، فكيف عند أبناء الدنيا ؟ يعني إن وصفها لا يجوز إلا لأهلها العارفين .ولهذا اتفق العلماء على أن من خاض في كلام صوفية الحقائق غير عالم برموزهم ضل وربما كفر ، وأنه لا يجوز سلوك طريقتهم إلا على يد شيخ عارف من الواصلين ، والعلماء العاملين .وقد كان الشيخ محمد أبو المحاسن القاوقجي من كبار العباد المشتغلين بالعلم والحديث ، وقد رويت عنه الأحاديث المسلسلة وغيرها ، وكان من شيوخ طريقة الشاذلي ، فقلت له يوما:إنني لا أحب أن أكون من أهل الطريق المقلدين الذين يجتمعون على قراءة حزب البر ، وهذه الأذكار الاجتماعية في المساجد وغيرها ، وإنما أريد السلوك الصحيح بالرياضة والتعبد السري كالمتقدمين ، فهل لك أن تتولى ذلك معي .قال:يا بني إنني لست أهلا لذلك ، فلا أغشك وأغش نفسي ، أو كما قال .
ومن كان من أهل العلم والفهم وأحب أن يستفيد من كلام خيار الصوفية في الحقائق مع التزام السنة وسيرة السلف في العبادة فعليه بكتاب ( مدارج السالكين ) للمحقق ابن القيم شرح ( منازل السائرين ) لشيخ الإسلام الهروي الأنصاري ، فإن فيه خلاصة معارف الصوفية التي لا تخالف الكتاب والسنة مع الرد على ما خالفهما ، وأما كتبهم في الأخلاق والآداب الدينية فيغني عنها كلها ( كتاب الآداب الشرعية والمنح المرعية ) لابن مفلح الفقيه الحنبلي ، فإنه مستمد من نصوص الكتاب والسنة وكلام أئمة الحديث والفقه المتفق على جلالتهم من جميع المسلمين .فهذا ما ننصح به لجمهور المسلمين الذين يطلبون العلم الصحيح للعمل .وثم كتب كثيرة لعلماء الصوفية مفيدة في فلسفة الأخلاق وعلم النفس وخواص الأرواح ، والاستفادة الصحيحة منها خاصة بأهل البصيرة من العلماء .
ومن خيار الصوفية الوعاظ من المتقدمين منصور بن عمار ، وقد ذكر ابن مفلح في كتاب الآداب الشرعية أن الإمام أحمد نهى عن كلامه والاستماع للقاص به ، وأن القاضي أبا الحسين قال:إنما رأى إمامنا أحمد الناس لهجين بكلامه ، وقد اشتهروا به حتى دونوه وفصلوه مجالس يحفظونها ويلقونها ، ويكثرون فيما بينهم دراستها ، فكره لهم أن يلهوا بذلك عن كتاب الله ويشتغلوا به عن كتب السنة وأحكام الملة لا غير اه .
فإذا كانت حال الناس هكذا في زمن الإمام أحمد زمن حفظ السنة وروايتها والتفقه والعمل بها واشتراك الصوفية في ذلك فماذا عسى أن يقال في هذا الزمن وأهله ، وأنت لا تجد في علماء مصر حافظاً ، ولا من يصح أن يسمى محدثاً ، دع متصوفته الذين يستحوذ على أكثرهم الجهل ، ويوجد فيهم المنافقون الذين يتخذهم الأجانب جواسيس ودعاة للاستعمار ، محتجين بشبهة الرضا بالأقدار ، وهم أكبر مصائب الإسلام في المستعمرات الفرنسية الإفريقية ، ومن شيوخهم من يأخذ الرواتب المالية من حكامها ، ومن نال بعض أوسمتها الشرفية ؟
فهذا نموذج من كلام أئمة الإسلام ندعم به ما ذكرناه من الحجج والنصوص في دعوة المسلمين إلى فهم القرآن والاهتداء به ، وبما ورد في السنة من بيانه ، والاكتفاء بعباداتهما وأذكارهما ، والاستغناء بها عن كل ما عداها من غير غلو ولا تكلف لما لا يسهل المواظبة عليه ، والتفرغ بعد ذلك إلى القيام بفروض الكفايات من الدفاع عن الإسلام وتعزيزه ، ودفع الأذى والاستعباد والظلم عن أهله ، وإعزاز الأمة بالقوة والثروة بالطرق المشروعة المبنية على الفنون الصحيحة والنظام ، وإنفاقها في سبيل الله ، فهذا أفضل من تلك الأوراد التي لم تبلغ أن تكون من نوافل العبادات ، على ما فيها من البدع والضلالات ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
{ وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا} أي اتخذوا اليهود والنصارى رؤساءهم أرباباً من دون الله تعالى ، والربوبية تستلزم الألوهية بالذات ؛ إذ الرب هو الذي يجب أن يعبد وحده ، واتخذ النصارى المسيح رباً وإلهاً .والحال أنهم ما أمروا على لسان موسى وعيسى ومن اتبعهما فيما جاءا به عن الله إلا أن يعبدوا ويطيعوا في الدين إلهاً واحداً بما شرعه هو لهم ، وهو ربهم ورب كل شيء ومليكه .
{ لا إله إلا هو} هذه الجملة استئناف بياني لا صفة ثانية لإله ، فهي تعليل للأمر بعبادة إله واحد بأنه لا وجود لغيره في حكم الشرع ، ولا في نظر العقل ، وإنما اتخذ المشركون آلهة من دونه بمحض الهوى والجهل ، إذ ظن هؤلاء الجاهلون أن لبعض المخلوقات من السلطان الغيبي والقدرة على الضر والنفع من غير طريق الأسباب المسخرة للخلق مثل ما لله ، إما بالذات ، وإما بالوساطة عنده تعالى والشفاعة لديه ، وهي الشفاعة الشركية المنفية بنصوص القرآن .
{ سبحانه عما يشركون} أي تنزيهاً له عن شركهم في ألوهيته بدعاء غيره معه أو من دونه ، وفي ربوبيته بطاعة الرؤساء في التشريع الديني بدون إذنه .
أما أمر الله تعالى إياهم بعبادته وحده على لسان موسى عليه السلام فهو في مواضع من التوراة ، أظهرها وأشهرها أول الوصايا العشر التي جاءت في سفر الخروج أن الله تعالى كتبها لموسى عند مناجاته في سيناء بأصبعه على لوحي العهد ، وهذا أولها:«أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية ، لا يكن لك آلهة أخرى أمامي ، لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ، ولا صورة مما في السماء من فوق ، ولا مما في الأرض من تحت ، ولا مما في الماء تحت الأرض ، لا تسجد لهن ولا تعبدهن ، لأني أنا الرب إلهك إله غيور » الخ .
وأما أمره تعالى إياهم بها على لسان عيسى المسيح عليه السلام فتجد منه فيما رواه يوحنا عنه في إنجيله قوله:«وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ، ويسوع المسيح الذي أرسلته » .وفي إنجيل برنابا الذي تعده الكنيسة غير قانوني من آيات التوحيد المطلق المجرد من جميع شوائب الشرك ما هو أجدر من الأناجيل الأربعة القانونية بأن يكون من إنجيل المسيح الصحيح الموحى إليه من ربه عزَّ وجلَّ .