{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ( 31 ) يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ( 32 ) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ( 33 )} .
المفردات:
أحبارهم: جمع حبر بكسر الحاء وفتحها لغتان كما قال الفراء – ويطلق على العالم مطلقا وغلب في عالم اليهود .
ورهبانهم: جمع راهب مأخوذ من الرهبة وهي الخوف ،والمراد به هنا: عابد النصارى الذي اعتزل ملذات الحياة .
التفسير:
31 –{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ ...} الآية .
أي: اتخذ اليهود علماء دينهم أربابا من دون الله ؛فأطاعوهم في تحريم ما أحل الله ،وتحليل ما حرم الله ،وجعلوهم بطاعتهم لهم ؛كأنهم آلهة لهم يطاعون فيما يشرعون .واتخذ النصارى رهبانهم .أي: علماءهم المتعبدين – اتخذوهم آلهة من دون الله بأن أطاعوهم فيما لم يحل ،كما يطاع الله فيما شرعه لعباده ،مع أنهم آثمون .
قال الشوكاني في فتح القدير:
كانوا إذا أحلوا لهم شيئا ،استحلوه ،وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه ،أطاعوهم فيما يأمرونه به ،وينهونهم عنه فيما يخالف أحكام الله تعالى ؛فنسخوا بذلك ما في كتب الله ،فكانوا بمنزلة المتخذين لهم أربابا ؛لأنهم أطاعوهم كما تطاع الأرباب .
{والمسيح ابن مريم} .
أي: واتخذ النصارى المسيح ابن مريم ربا معبودا وكان ذلك على صور شتى ،فمرة: عبدوه على أنه ابن الله ،وأخرى: عبدوه على أنه إله ،وثالثة: على أنه ثالث آلهة ثلاثة .
قال صاحب تفسير المنار:
جمع الله بين اليهود والنصارى ؛في اتخاذ رجال دينهم أربابا ؛بأن أعطوهم حق التشريع فيهم ،وذكر بعد ذلك: ما انفرد به النصارى دون اليهود من اتخاذهم المسيح ربا وإلها يعبدونه ،واليهود لم يعبدوا عزيرا ،ولم يؤثر عمن قال منهم: إنه ابن الله ،أنهم عنوا ما يعنيه النصارى من قولهم في المسيح: إنه هو الله الخالق المدبر لأمور العباد57 .
وقال الشوكاني:
اتخذ النصارى المسيح ربا معبودا وفيه إشارة إلى أن اليهود لم يتخذوا عزيرا ربا معبودا .
{وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا} .
أي: وما أمرهم الله في كتبه التي أنزلها إليهم إلا ليطيعوا إلها واحدا فيما أمرهم به أو نهاهم عنه .
{لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} .
أي: تنزه الله عز وجل ،وتقدس عن الشركاء والنظراء والأعوان ،والأضداد والأولاد ،فهو رب العالمين وخالق الخلائق أجمعين .
قصة إسلام عدى بن حاتم الطائي
روى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير الطبري: عن عدي بن حاتم ،أنه لما بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فر إلى الشام وكان قد تنصر في الجاهلية .
ثم أسرت أخته وجماعة من قومه ،ثم من الرسول صلى الله عليه وسلم على أخته وأعطاها ،فرجعت إلى أخيها فرغبته في الإسلام ،وفي القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عدي إلى المدينة ،وكان رئيسا في قومه طىء ،وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم ؛فتحدث الناس بقدومه ،فدخل عدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنق عدي صليب من فضة .
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية:{اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ...}
فقال عدي للرسول صلى الله عليه وسلم: إنهم لم يعبدوهم !
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: بلى ،إنهم حرموا عليهم الحلال ،وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم ،فذلك عبادتهم إياهم .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا عدي ،ما تقول ؟أيضرك أن يقال: الله أكبر ؟فهل تعلم شيئا أكبر من الله ؟ما يضرك ؟أيضرك أن يقال: لا إله إلا الله ؟فهل تعلم إلها غير الله ؟
ثم دعاه إلى الإسلام فأسلم ،وشهد شهادة الحق ؛فاستبشر وجه الرسول بإسلامه ثم قال:"إن اليهود مغضوب عليهم ،والنصارى ضالون "58 .