قوله تعالى:{لأنتم أشدّ رهبة في صدورهم من الله} [ الحشر: 13] أي أشد خوفا في صدور المنافقين أو اليهود ،وظاهره لأنتم أشدّ خوفا من الله تعالى .
فإن قلتَ: إن عُلِّق قوله{من الله} بأشدّ ،لزم ثبوت الخوف لله وهو محال ،أو بالرهبة لزم كون المؤمنين أشدّ خوفا من المذكورين ،وليس مرادا ؟
قلتُ: الرهبة مصدر"رُهب "بالبناء للمفعول هنا ،فالمعنى أشدّ مرهوبية ،يعني أنكم في صدورهم أهيب من كون الله تعالى فيها ،ونظيره قولك: زيد أشدّ ضربا في الدار من عمرو ،يعني مضروبية .
قوله تعالى:{ذلك بأنهم قوم لا يفقهون} [ الحشر: 13] .
ختمه هنا بقوله:"لا يفقهون "وبعده بقوله:"لا يعقلون "({[630]} ) لأن الأول متصل بقوله:{لأنتم أشدّ رهبة في صدورهم من الله} أي لأنهم يفقهون ظاهر الشيء دون باطنه ،والفقه معرفة الظاهر والباطن ،فناسب نفيه الفقه عنهم .
والثاني متّصل بقوله:{تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى} [ الحشر: 14] أي لو عقلوا لاجتمعوا على الحقّ ولم يتفرّقوا ،فناسب نفي العقل عنهم .
إن قلتَ: كيف يستقيم التفضيل بأشدِّية الرهبة ،مع أنهم لا يرهبون الله ،لأنهم لو رهبوه لتركوا النفاق والكفر ؟ !
قلتُ: معناه أن رهبتهم في السرّ منكم ،أشدّ من رهبتهم من الله تعالى ،التي يظهرونها لكم ،وكانوا يظهرون للمؤمنين رهبة شديدة من الله تعالى .