وكذلك قول الله تعالى : { الله يستهزىء بهم } مجاز ؛ وقد قيل فيه وجوه : أحدها على جهة مقابلة الكلام بمثله ، وإن لم يكن في معناه ، كقوله تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } [ الشورى : 40 ] والثانية ليست بسيئة بل حسنة ، ولكنه لما قابل بها السيئة أجرى عليها اسمها . وقوله تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } [ البقرة : 194 ] والثاني ليس باعتداء . وقوله تعالى : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } [ النحل : 126 ] والأول ليس بعقاب وإنما هو على مقابلة اللفظ بمثله مزاوجته له . وتقول العرب : الجزاء بالجزاء ، والأول ليس بجزاء ، ومنه قول الشاعر :
* ألا لا يجهلن أحدٌ علينا * فنجهلَ فوقَ جهلِ الجاهلينا *
ومعلوم أنه لم يمتدح بالجهل ، ولكنه جرى على عادتهم في ازدواج الكلام ومقابلته . وقيل : إن ذلك أطلقه الله تعالى على طريق التشبيه ؛ وهو انه لما كان وبال الاستهزاء راجعاً عليهم ولاحقاً لهم كان كأنه استهزأ بهم . وقيل : لما كانوا قد أمهلوا في الدنيا ولم يعاجلوا بالعقوبة والقتل كسائر المشركين وأُخِّر عقابُهم فاغتروا بالإمهال كانوا كالمستهزىء بهم .