وقوله تعالى : { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار } يدل على أن البشارة هي الخبر السار ، والأظهر والأغلب أن إطلاقه يتناول
من الأخبار ما يحدث عنده الاستبشار والسرور وإن كان قد يجري على غيره مقيداً كقوله { فبشرهم بعذاب أليم } [ آل عمران : 21 ] وكذلك قال أصحابنا فيمن قال : " أي عبد بشَّرني بولادة فلانة فهو حر " فبشروه جماعة واحداً بعد واحد ؛ أن الأول يعتق دون غيره لأن البشارة حصلت بخبره دون غيره ، ولم يكن هذا عندهم بمنزلة ما لو قال : " أي عبد أخبرني بولادتها " ؛ فأخبروه واحداً بعد واحد أنهم يعتقون جميعاً ، لأنه عقد اليمين على خبر مطلق فيتناول سائر المخبرين ، وفي البشارة عقدها على خبر مخصوص بصفة وهو ما يحدث عنده السرور والاستبشار . ويدل على أن موضوع هذا الخبر ما وصفنا قولهم : رأيت البِشْرَ في وجهه ؛ يعني الفرح والسرور . قال الله في صفة وجوه أهل الجنة { وجوه يومئذٍ مسفرة ضاحكة مستبشرة } [ عبس : 38 و39 ] فأخبر عما ظهر في وجوههم من آثار السرور والفرح بذكر الاستبشار ؛ ومنه سموا الرجل بشيراً تفاؤلاً منهم إلى الأخبار بالخير دون الشر . وسمّوا ما يُعطى البشير على هذا الخبر بُشْرَى ؛ وهذا يدل على أن الإطلاق يتناول الخبر المفيد سروراً فلا ينصرف إلى غيره إلا بدلالة ، وأنه متى أطلق في الشر فإنما يراد به الخبر فحسب ، وكذلك قوله تعالى { فبشرهم بعذاب أليم } [ آل عمران : 21 ] معناه أخبرهم . ويدل على ما وصفنا من أن البشير هو المخبر الأول فيما ذكرنا من حكم اليمين قولهم : " ظهرت لنا تباشير هذا الأمر " يعنون أوله ؛ ولا يقولون ذلك في الشر وفيما يَغُمُّ ، وإنما يقولونه فيما يسر ويفرح . ومن الناس من يقول إن أصله فيما يسرّ ويَغُمُّ ، لأن معناه ما يظهر أولاً في بَشَرةِ الوجه من سرور أو غم ، إلا أنه كثر فيما يسرّ فصار الإطلاق أخص به منه بالشر .