باب السجود لغير الله تعالى
قال الله تعالى : { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا } روى شعبة عن قتادة : أن الطاعة كانت لله تعالى في السجود لآدم ، أكرمه الله بذلك . وروى معمر عن قتادة في قوله { وخرّوا له سجداً } [ يوسف : 100 ] قال : " كانت تحيتهم السجود " . وليس يمتنع أن يكون ذلك السجود عبادة لله تعالى وتكرمة وتحية لآدم عليه السلام ، وكذلك سجود إخوة يوسف عليهم السلام وأهله له ؛ وذلك لأن العبادة لا تجوز لغير الله تعالى ، والتحية والتكرمة جائزان لمن يستحق ضرباً من التعظيم .
ومن الناس من يقول : إن السجود كان لله وآدم كان بمنزلة القِبلةَ لهم . وليس هذا بشيء ؛ لأنه يوجب أن لا يكون لآدم في ذلك حظ من التفضيل والتكرمة . وظاهر ذلك يقتضي أن يكون آدم مفضلاً مكرماً ؛ فذلك كظاهر الحمد إذا وقع لمن يستحق ذلك يحمل على الحقيقة ولا يحمل على ما يطلق من ذلك مجازاً ، كما يقال : أخلاق فلان محمودة ومذمومة ؛ لأن حكم اللفظ أن يكون محمولاً على بابه وحقيقته .
ويدل على أن الأمر بالسجود قد كان أراد به تكرمة آدم عليه السلام وتفضيله ، قول إبليس فيما حكى الله عنه { أأسجد لمن خلقت طيناً قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي } [ الإسراء : 61 و62 ] فأخبر إبليس أن امتناعَهُ كان من السجود لأجل ما كان من تفضيل الله وتكرمته بأمره إياه بالسجود له ، ولو كان الأمر بالسجود له على أنه نُصِبَ قِبْلَةً للساجدين من غير تكرمة له ولا فضيلة لما كان لآدم في ذلك حظّ ولا فضيلة تُحسد ، كالكعبة المنصوبة للقِبْلة . وقد كان السجود جائزاً في شريعة آدم عليه السلام للمخلوقين ، ويشبه أن يكون قد كان باقياً إلى زمان يوسف عليه السلام ، فكان فيما بينهم لمن يستحق ضرباً من التعظيم ويراد إكرامه وتبجيله بمنزلة المصافحة والمعانقة فيما بيننا وبمنزلة تقبيل اليد ، وقد رُوي عن النبي عليه السلام في إباحة تقبيل اليد أخبارٌ ، وقد رُوي الكراهةُ ، إلا أن السجود لغير الله تعالى على وجه التكرمة والتحية منسوخ بما روت عائشة وجابر بن عبد الله وأنس ، أن النبي عليه السلام قال : " ما ينبغي لِبَشَرٍ أنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ ، ولو صَلُحَ لبَشَرٍ أنْ يَسْجُدَ لبَشَرٍ لأمرَتِ المرأةُ أنْ تسْجُدَ لزَوْجها مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عليها " لفظ حديث أنس بن مالك .