قوله تعالى : { فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم } . يحتجّ بها فيما ورد من التوقيف في الأذكار والأقوال بأنه غير جائز تغييرها ولا تبديلها إلى غيرها . وربما احتجَّ به علينا المخالف في تجويزنا تحريمة الصلاة بلفظ التعظيم والتسبيح ، وفي تجويز القراءة بالفارسية على مذهب أبي حنيفة ، وفي تجويز النكاح بلفظ الهِبَة ، والبيع بلفظ التمليك ، وما جرى مجرى ذلك . وهذا لا يلزمنا فيما ذكرنا لأن قوله تعالى : { فبدل الذين ظلموا } إنما هو في القوم الذين قيل لهم : { ادخلوا الباب سُجَّدا وقولوا حطة } يعني حُطَّ عنا ذنوبنا . قال الحسن وقتادة : قال ابن عباس : " أُمروا أن يستغفروا " . وروي عنه أيضاً أنهم أمروا أن يقولوا : هذا الأمر حقّ ، كما قيل لكم . وقال عكرمة : " أمروا أن يقولوا لا إله إلا الله فقالوا بدل هذا حنطة حمراء تجاهلاً واستهزاء " . ورُوي عن ابن عباس وغيره من الصحابة وعن الحسن " إنما استحقوا الذم لتبديلهم القول إلى لفظ في ضد المعنى الذي أمروا به " إذ كانوا مأمورين بالاستغفار والتوبة فصاروا إلى الإصرار والاستهزاء ، فأما من غير اللفظ مع اتفاق المعنى فلم تتناوله الآية إذ كانت الآية إنما تضمنت الحكاية عن فعل قوم غيروا اللفظ والمعنى جميعاً فألحق بهم الذم بهذا القول . وإنما يشاركهم في الذم من يشاركهم في الفعل مثلاً بمثل ، فأما من غير اللفظ وأتى بالمعنى فلم تتضمنه الآية ، وإنما نظير فعل القوم إجازة من يجيز المتعة مع قوله تعالى { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } [ المعارج : 30 ] ، فقصر استباحة البضع على هذين الوجهين ، فمن استباحه بلفظ المتعة مع مخالفة النكاح وملك اليمين من جهة اللفظ والمعنى فهذا الذي يجوز أن يلحقه الذم بحكم الآية .