قوله عز وجل : { ولا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } ؛ يُحْتَجُّ به في امتناع جواز تصرف أحد على غيره إلا ما قامت دلالته ، لإخبار الله تعالى أن أحكام أفعال كل نفس متعلّقة بها دون غيرها ؛ فيحتجّ بعمومه في امتناع جواز تزويج البكر الكبيرة بغير إذنها وفي بطلان الحَجْرِ على امتناع جواز بيع أملاكه عليه وفي جواز تصرف البالغ العاقل على نفسه وإن كان سفيهاً ، لإخبار الله تعالى باكتساب كل نفس على نفسه وفي نظائر ذلك من المسائل .
وقوله تعالى : { ولا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } ، إخبار بأن الله تعالى لا يؤاخذ أحداً بذنب غيره ، وأنه لا يعذب الأبناء بذنب الآباء . وقد احتجت عائشة في ردِّ قول من تأوّل ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ ببُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ " فقالت : قال الله تعالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } وإنما مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي يُبْكَى عليه فقال : " إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهِ " ، وقد بينا وجه ذلك في غير هذا الموضع . وقيل : إنّ أصله الوَزَرُ والملجأ ، من قوله : { كلا لا وزر } [ القيامة : 11 ] ولكنه جرى في الأغلب على الإثم وشبه بمن التجأ إلى غير ملجأ ، ويقال وَزَرَ يَزِرُ وَوَزِرَ يَوْزَرُ ووُزِرَ يُوزَرُ فهو مَوْزُورٌ ، وكله بمعنى الإثم ؛ والوزير بمعنى الملجأ ، لأن المَلِكَ يلجأ إليه في الأمور . والله أعلم بالصواب .