قوله تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ ورِيشاً ولِبَاسُ التَّقْوَى } . هذا خطاب عام لسائر المكلفين من الآدميين كما كان قوله تعالى : { يا أيُّها النَّاسُ اتّقوا ربكم } [ النساء : 1 ] خطاباً لمن كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعده من المكلفين من أهل سائر الأعصار ، إلا أنه لمن كان غير موجود على شرط الوجود وبلوغ كمال العقل .
وقوله تعالى : { قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ } ، وقوله تعالى : { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ } يدل على فرض ستر العورة ، لإخباره أنه أنزل علينا لباساً لنواري سوآتنا به . وإنما قال : { أَنْزَلْنَا } لأن اللباس إنما يكون من نبات الأرض أو من جلود الحيوان وأصوافها ، وقَوَامُ جميعها بالمطر النازل من السماء . وقيل إنه وصفه بالإنزال لأن البركات تنسب إلى أنها تأتي من السماء ، كما قال تعالى : { وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس } [ الحديد : 25 ] . وقوله : { رِيشاً } قيل إنه الأثاث من مناع البيت نحو الفرش والدثار . وقيل : الريش ما فيه الجمال ، ومنه ريش الطائر . وقوله : { وَلِبَاسُ التَّقْوَى } قيل فيه إنه العمل الصالح ، عن ابن عباس ؛ وسماه لباساً لأنه يقي العقاب كما يقي اللباس من الثياب الحر والبرد . وقال قتادة والسدي : " هو الإيمان " .
وقال الحسن : " هو الحياء الذي يكسبهم التّقوى " . وقال بعض أهل العلم : " هو لباس الصوف والخشن من الثياب التي تلبس للتواضع والنسك في العبادة " .
وقد اتفقت الأمة على معنى ما دلت عليه الآية من لزوم فرض ستر العورة ، ووردت به الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم ، منها حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قلت : يا رسول الله عورتنا ما نأتي منها وما نَذَرُ ؟ قال : " احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ " . قلت : يا رسول الله فإذا كان أحدنا خالياً ؟ قال : " فإنَّ الله أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ " . وروى أبو سعيد الخدري عنه عليه السلام أنه قال : " لا يَنْظُر الرَّجُلُ إلى عَوْرَةِ الرَّجُلِ ولا المَرْأَةُ إلى عَوْرَةِ المَرْأَةِ " . وقد رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلى سَوْأَةِ أَخِيهِ " قال الله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } [ النور : 30 ] { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن } [ النور : 31 ] يعني عن العورات ، إذْ لا خلاف في جواز النظر إلى غير العورة .