قوله تعالى : { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا واذْكُرُوا الله كَثِيراً } . قيل إن الفئة هي الجماعة المنقطعة عن غيرها ، وأصله من فَأَوْتُ رأسه بالسيف إذا قطعته ، والمراد بالفئة ههنا جماعة من الكفار ، فأمرهم بالثبات لهم وقتالهم ؛ وهو في معنى قوله تعالى : { إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفَاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ } الآية ، ومعناه مرتَّبٌ على ما ذكر في هذه من جواز التحرّف للقتال أو الانحياز إلى فئة من المسلمين ليقاتل معهم ، ومرتّب أيضاً على ما ذُكر بعد هذا من قوله تعالى : { الآنَ خَفَّفَ الله عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ الله } ، فإنما هم مأمورون بالثبات لهم إذا كان العدو مثليهم ، فإن كانوا ثلاثة أضعافهم فجائز لهم الانحياز إلى فئة من المسلمين يقاتلون معهم .
وقوله تعالى : { وَاذْكُرُوا الله كَثِيراً } يحتمل وجهين ، أحدهما : ذكر الله تعالى باللسان ، والآخر : الذكر بالقلب ؛ وذلك على وجهين ، أحدهما : ذكر ثواب الصبر على الثبات لجهاد أعداء الله المشركين وذكر عقاب الفرار ، والثاني : ذكر دلائله ونِعَمِهِ على عباده وما يستحقه عليهم من القيام بفرضه في جهاد أعدائه . وضُرُوبُ هذه الأذكار كلّها تُعِينُ على الصبر والثبات ويُسْتَدْعَى بها النصر من الله والجرأة على العدو والاستهانة بهم ، وجائز أن يكون المراد بالآية جميع الأذكار لشمول الاسم لجميعها ؛ وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يوافق معنى الآية ، ما حدثنا عبدالباقي بن قانع قال : حدثنا بشر بن موسى قال : حدثنا خلاد بن يحيى قال : حدثنا سفيان الثوري عن عبدالرّحمن بن زياد عن عبدالله بن زيد عن عبدالله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ وَاسْأَلُوا الله العَافِيَةَ فإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فاثْبُتُوا واذْكُرُوا الله كَثِيراً وإنْ أجْلَبُوا أَوْ ضَجُّوا فَعَلَيْكُمْ بالصَّمْتِ " .