قوله تعالى : { إِنَّما النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ } : فالنَّسِيءُ التأخير ، ومنه البيع بنسيئة ، وأنسأْتُ البيع أخّرته ، و { ما ننسخ من آية أو ننسها } [ البقرة : 106 ] أي نؤخرها ، ونسئت المرأة إذا حبلت لتأخر حيضها ، ونسأت الناقة إذا دفعتها في السير لأنك زَجَرْتَها عن التأخر ، والمِنْسَأَةُ العصا التي يُنْسَأُ بها الأذى ويُزجر ويُساق بها فيمنع من التأخر . ومراد الله تعالى ذكره النسيء في هذا الموضع ما كانت العرب تفعله من تأخير الشهور ، فكان يقع الحج في غير وقته واعتقاد حرمة الشهور في غير زمانه ، فقال ابن عباس : " كانوا يجعلون المحرم صَفَراً " ، وقال ابن أبي نجيح وغيره : " كانت قريش تُدْخِلُ في كل ستة أشهر أياماً يوافقون ذا الحجة في كل ثلاث عشرة سنة ، فوفّق الله تعالى لرسوله في حجته استدارة زمانهم كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، فاستقام الإسلام على عدد الشهور ووقف الحج على ذي الحجة " . وقال ابن إسحاق : " كان ملك من العرب يقال له القَلَمَّس واسمه حذيفة أوّلَ من أنسأ النَّسِيءَ ، أنْسَأ المحرم فكان يحلّه عاماً ويحرمه عاماً ، فكان إذا حرمه كانت ثلاث حرمات متواليات وهي العدة التي حرم الله في عهد إبراهيم صلوات الله عليه ، فإذا أحلّه دخل مكانه صفر في المحرم لتواطىء العدة ، يقول : قد أكملت الأربعة كما كانت لأني لم أحلّ شهراً إلا قد حرمت مكانه شهراً ، فحجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقد عاد المحرم إلى ما كان عليه في الأصل ، فأنزل الله تعالى : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ الله اثْنَا عَشَرَ شَهْراً } ، فأخبر الله أن النسيء الذي كانوا يفعلونه كفر ؛ لأن الزيادة في الكفر لا تكون إلا كفراً ، لاستحلالهم ما حرم الله وتحريمهم ما أحلّ الله ، فكان القوم كفاراً باعتقادهم الشرك ثم ازدادوا كفراً بالنسيء " .