قوله تعالى : { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ ولا عَلَى المَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لله وَرَسُولِهِ } ؛ هذا عطف على ما تقدم من ذكر الجهاد في قوله : { لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } ، ثم عطف عليه قوله : { وَجَاءَ المُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ } ، فذمّهم على الاستيذان في التخلف عن الجهاد من غير عذر . ثم ذكر المعذورين من المؤمنين ، فذكر الضعفاء وهم الذين يضعفون عن الجهاد بأنفسهم لزَمَانَةٍ أو عَمًى أو سنٍّ أو ضعف في الجسم ، وذكر المرضى وهم الذين بهم أعلال مانعة من النهوض والخروج للقتال ، وعَذَرَ الفقراء الذين لا يجدون ما ينفقون ، وكان عُذْرُ هؤلاء ومَدْحُهم بشريطة النصح لله ورسوله ؛ لأن من تخلف منهم وهو غير ناصح لله ورسوله بل يريد التضريب والسعي في إفساد قلوب من بالمدينة لكان مذموماً مستحقّاً للعقاب . ومن النُّصْحِ لله تعالى حَثُّ المسلمين على الجهاد وترغيبهم فيه والسعي فيه إصلاح ذات بينهم ونحوه مما يعود بالنفع على الدين ، ويكون مع ذلك مخلصاً لعمله من الغشِّ ؛ لأن ذلك هو النصح ، ومنه التوبة النصوح .
قوله تعالى : { مَا عَلَى المُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } ، عمومٌ في أن كل من كان محسناً في شيء فلا سبيل عليه فيه . ويحْتَجُّ به في مسائل مما قد اخْتُلف فيه ، نحو ما استعار ثوباً ليصلي فيه أو دابةً ليحج عليها فتهلك ، فلا سبيل عليه في تضمينه لأنه محسن ، وقد نفى الله تعالى السبيل عليه نفياً عامّاً ، ونظائر ذلك مما يختلف في وجوب الضمان عليه بعد حصول صفة الإحسان له ، فيحتج به نَافُو الضمان . ويحتجّ مخالفنا في إسقاط ضمان الجمل الصؤول إذا قتله من خشي أن يقتله بأنه محسن في قتله للجمل ، وقال الله تعالى : { مَا عَلَى المُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } ونظائره كثيرة .