قوله تعالى : { كُلُّ الطّعامِ كانَ حلاً لبني إسرائيلَ إلاّ ما حَرَّمَ إسْرائيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أن تُنَزَّلَ التّوْراةُ }{[600]} [ 93 ] : وهذا يدل على جواز إطلاق الله تعالى للأنبياء تحريم ما أرادوا تحريمه{[601]} ، ويعصمهم عن الزلل في اختياراتهم ، ويدل على جواز النسخ أيضاً ، وظاهر ذلك أنه حرمه بنفسه ، لا أنه حرم عليه بالوحي ، فإن الله تعالى أضاف التحريم إليه ، ولم يكن ذلك بالاجتهاد في النظر في أدلة الشرع ، فإن الذي كان حلالاً من قبل نصاً لا يتصور الاجتهاد المأخوذ من أصول الشرع في تحريمه ، والاجتهاد طلب أدلة الشرع والنظر في معانيها ، وقد كان ذلك حلالاً من جهة الشرع ، فعلم أنه صار محرماً بعد الإباحة بتحريم يعقوب على نفسه لا بالاجتهاد ، بل كان مأذوناً له في أن يحرم ما شاء على نفسه ، ولم يحرمها الله تعالى ، وربما يدل ذلك على أن الذي كان من يعقوب انتسخ ثانياً من جهة الشريعة ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم مارية على نفسه ، ولم يحرمها الله تعالى{[602]} ، وربما يدل ذلك على أن الذي كان من يعقوب انتسخ بهذا{[603]} ، ويجوز أن يقال : ومع تحريم مارية ليس نسخاً لغيرها ، ويمكن أن يقال : مطلق قوله تعالى : { لِمَ تُحرِّمُ ما أحلَ اللهُ لكَ }{[604]} يقتضي أن لا يختص بالشافعي{[605]} .
وقد رأى الشافعي أن وجوب الكفارة في ذلك غير معقول المعنى فجعلها مخصوصاً لموضع النص ، وأبو حنيفة رأى ذلك أصلاً في تحريم كل مباح وأجراه مجرى اليمين{[606]} .