قوله تعالى : { والّلائِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُم إنِ ارْتَبْتُم } ، الآية :[ 4 ]
فدلت الآية على إثبات الإياس بعد ارتياب ، فلا يجوز أن يكون قوله { إنِ ارْتَبْتُم } إثبات حكم الإياس في أول الآية ، فلا جرم اختلف أهل العلم في الريبة المذكورة في الآية{[1675]} ، فروي أن أبي بن كعب قال : يا رسول الله ، إن عدداً من عدد النساء لم يذكر في الكتاب الصغار والكبار وذوات الأحمال أجلهن ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وأبان أن سبب نزول هذه الآية كان ارتيابهن في عددهن ، صغير أو كبير من الصغار{[1676]} والكبار ، فتقدير الكلام ؛ { والّلائي يَئِسْن مِنَ المَحيض من نِسائِكُم إن ارْتَبْتُم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ } ، الآية :[ 4 ] .
واختلف السلف في التي ترتفع حيضتها ، فروي سعيد بن المسيب عن عمر أنه قال : أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضتها ، فإنه ينتظر بها تسعة أشهر ، فإن استبان بها حمل فذاك ، وإلا اعتدت بعد ستة أشهر بثلاثة أشهر{[1677]} . وأمر ابن عباس بالتربص بستة أشهر وقال : تلك الريبة . وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه : التي ترتفع حيضتها تبقى إلى سن اليأس ، ثم تعتد بثلاثة أشهر ، وهو الحق ، فإن الله تعالى جعل عدة الآيسة ثلاثة أشهر ، والمرتابة ليست بآيسة .
قول تعالى : { وأُولاَتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } ، الآية :[ 4 ] :
ولم يختلف السلف والخلف في أن عدة المطلقة الحامل في أن تضع حملها . . واختلف السلف في عدة المتوفى عنها زوجها ، وأنها تعتد بأقصى الأجلين أو بوضع الحمل : فقال علي رضي الله عنه بأقصى الأجلين ، وقال عمر رضي الله عنه في نفر من الصحابة : إنها تعتد بوضع الحمل .
ولا شك أن قوله تعالى : { وأُولاَتُ الأَحْمَالِ } ، معطوف على ذكر المطلقات ، غير أنه عموم ، وقد نزل بعد قوله تعالى : { والّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنْكُم }{[1678]} على ما قال ابن مسعود ، وأنه قال : من شاء لاعنته ، ما نزلت : { وأُولاَتُ الأَحْمَال أَجَلُهُنَّ } ، إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها . . فكان قوله : { والّذِينَ يُتَوَفّوْنَ } عام في كل من يتوفى عنها زوجها ، وقوله : { وأُولاَتُ الأَحْمَال } ، عموم ورد بعده . . ولا دليل من الأول على تخصيص الثاني ، فوجب اعتبار المتأخر .