قوله تعالى : { خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ } الآية :[ 199 ] :
أمر بمراعاة مكارم الأخلاق ومداراة الناس ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أثقل شيء في ميزان المرء يوم القيامة الخلق الحسن{[1328]} " ، وروى ابن عمر أن رجلاً سأل النبي عليه الصلاة والسلام : أي المؤمنين أفضل ؟ فقال أحسنهم خُلقاً ، وروى سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق{[1329]} " .
والعفو هو التسهيل والتيسير ، فالمعنى استعمال العفو ، وقبول ما سهل من أخلاق الناس ، وترك الاستقصاء عليهم في المعاملات ، وقبول العذر ونحوه . وقال ابن عباس في قوله : { خُذِ العَفْوَ } ، قال : هو العفو من الأموال قبل أن ينزل فرض الزكاة ، ومنه قوله : { فَمَنْ عُفي لَهُ مِنْ أخِيهِ شيءٌ }{[1330]} أي ترك له ، والعفو عن الذنب ترك العقوبة عليه .
وقوله : { وأمر بالعُرف } : العُرف المعروف ، وفي الخبر الصحيح عن أبي جري جابر بن سليم قال : ركبت قعوداً ثم أتيت إلى المدينة فطلبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنخت قعودي بباب المسجد ، فدلوني على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو جالس عليه برد من صوف فيه طرائق حمر ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله ، فقال : " وعليك السلام " ، فقلت : إنا معشر البادية قوم فينا الجفاء فعلمني كلمات ينفعني الله بها ، فقال : ادن ثلاثاً ، فدنوت ، فقال : أعد عليّ ، فأعدت ، فقال : " اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئاً ، وأن تلقى آخاك بوجه منبسط ، وأن تفرغ من فضل دلوك في إناء المستسقى ، وإن امرؤ سبك بما يعلم فيك فلا تسبه بما تعلم فيه ، فإن الله تعالى جاعل لك أجراً وعليه وزراً ، ولا تسبن شيئاً مما خولك الله تعالى " ، قال أبو جري : فو الذي ذهب بنفسه ما سببت بعده شاة ولا بعيراً{[1331]} .
قوله تعالى : { وأَعرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ } : يجوز أن يكون في ترك مخاوضتهم في الباطل ، ويجوز أن يكون قبل الأمر بالقتال .