قوله تعالى : { إلاَّ تَنْصُرُوه فَقَدْ نَصَرهُ اللهُ إذْ أَخْرَجَهُ الذِينَ كَفَرُوا } ، الآية :[ 40 ] :
يستدل به على إضافة الفعل إلى غير فاعله ، إذا كان منه تسبب ، فإنه تعالى قال : { إذْ أَخْرَجَهُ الذِينَ كَفَرُوا } ، وما أخرجوه حقيقة بل أخافوه حتى اضطر إلى أن يخرج ، وكان الصديق معه ، فتارة كان يمشي بين يديه ، وتارة يمشي خلفه ، وقال يا رسول الله : إذا ذكرت الرصد مشيت بين يديك ، وإذا ذكرت الطلب مشيت خلفك .
وظن جهال الإمامية أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام لأبي بكر : " لا تحزن " ، يدل على جهل منه ونقيصة ، وذلك يوجب مثله في قوله تعالى لموسى : { فَأَوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لاَ تَخَفْ{[1425]} } ، وقوله في قصة إبراهيم : { فَلَمّا رَأَى أَيْدِيَهُم لاَ تَصِل إلَيْهِ نَكِرَهُم وَأَوْجَسَ مِنْهُم خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ{[1426]} } .
فإذا لم يكن ذلك طعناً عليهم ووصفاً لهم بالنقص ، فكذلك في أبي بكر ، وليس حزنه من جهة الشدة والحيرة ، بل لتجويزه وصول الضرر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإليه ، وما كان الخبر أتاه بأن الرسول كان معصوماً من القوم محروساً منهم ، حتى قال له الرسول لا تحزن ، فسكن إلى ذلك .
وقوله تعالى : { واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ{[1427]} } : نزل بعد الهجرة بسنين ، فلا يوجب كون أبي بكر عالماً بعصمته ، ولو علم أنه يسلم منهم بنفسه لم يأمن مضرةً بجراحة أو غيرها ، وفي ذلك جواز الحزن والخوف عليه .