الْآيَةُ الثَّامِنَةُ : قوله تعالى : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا } .
فِي هَذِهِ الْآيَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ ؛ قَالَهُ سَعِيدٌ وَقَتَادَةُ ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
الثَّانِي : أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ ، وَالْمَعْنَى فِيهَا الْإِرْضَاخُ لِلْقَرَابَةِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ إذَا كَانَ الْمَالُ وَافِرًا ، وَالِاعْتِذَارُ إلَيْهِمْ إنْ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا ، وَيَكُونُ هَذَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ بَيَانًا لِتَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ } وَأَنَّهُ فِي بَعْضِ الْوَرَثَةِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ ؛ فَيَكُونُ تَخْصِيصًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ ، ثُمَّ يَتَعَيَّنُ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ .
وَهَذَا تَرْتِيبٌ بَدِيعٌ ؛ لِأَنَّهُ عُمُومٌ ثُمَّ تَخْصِيصٌ ثُمَّ تَعْيِينٌ .
الثَّالِثُ : أَنَّهَا نَازِلَةٌ فِي الْوَصِيَّةِ ، يُوصِي الْمَيِّتُ لِهَؤُلَاءِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي نَقْلِ الْوَصِيَّةِ لَا مَعْنًى لَهَا .
وَأَكْثَرُ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ أَضْغَاثٌ وَآثَارٌ ضِعَافٌ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مُبَيِّنَةٌ اسْتِحْقَاقَ الْوَرَثَةِ لِنَصِيبِهِمْ ، وَاسْتِحْبَابَ الْمُشَارَكَةِ لِمَنْ لَا نَصِيبَ لَهُ مِنْهُمْ بِأَنْ يُسْهِمَ لَهُمْ مِنْ التَّرِكَةِ وَيَذْكُرَ لَهُمْ مِنْ الْقَوْلِ مَا يُؤْنِسُهُمْ وَتَطِيبُ بِهِ نُفُوسُهُمْ .
وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَكَانَ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقًا فِي التَّرِكَةِ وَمُشَارَكَةً فِي الْمِيرَاثِ لِأَحَدِ الْجِهَتَيْنِ مَعْلُومٌ وَلِلْآخَرِ مَجْهُولٌ ؛ وَذَلِكَ مُنَاقِضٌ لِلْحِكْمَةِ وَإِفْسَادٌ لِوَجْهِ التَّكْلِيفِ .
الثَّانِي : أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذَلِكَ الصِّلَةُ ، وَلَوْ كَانَ فَرْضًا يَسْتَحِقُّونَهُ لَتَنَازَعُوا مُنَازَعَةَ الْقَطِيعَةِ .