الْآيَةُ الْمُوفِيَةُ عِشْرِينَ : قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاَللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } .
فِيهَا ثَمَانِي مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى { النَّسِيءُ } :
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ :
أَحَدِهِمَا : أَنَّهُ الزِّيَادَةُ ، يُقَالُ : نَسَأَ يَنْسَأُ ، إذَا زَادَ ؛
قَالَهُ الطَّبَرِيُّ .
الثَّانِي : أَنَّهُ التَّأْخِيرُ . قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : يُقَالُ أَنْسَأْت الشَّيْءَ إنْسَاءً ، وَنَسَاءَ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ ، وَلَهُ مَعَانٍ كَثِيرَةٍ .
أَمَّا الطَّبَرِيُّ فَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ ، فَيُقَالُ : أَنْسَأَ اللَّهُ فِي أَجَلِك ، كَمَا تَقُولُ : زَادَ اللَّهُ فِي أَجَلِك ، وَتَقُولُ : أَنْسَأَ اللَّهُ فِي أَجَلِك ؛ أَيْ زَادَهُ مُدَّةً ، وَاكْتَفَى بِأَحَدِ الْمَفْعُولَيْنِ عَنْ الثَّانِي ، وَمَنَعَ من قِرَاءَتِهِ بِغَيْرِ الْهَمْزِ ، وَرَدَّ عَلَى نَافِعٍ ، وَقَالَ : لَا يَكُونُ بِتَرْكِ الْهَمْزِ إلَّا من النِّسْيَانِ ، كَمَا قَالَ : { نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } . وَاحْتَجَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ التَّأْخِيرُ بِنَقْلِ الْعَرَبِ لِهَذَا التَّفْسِيرِ عَنْ أَوَائِلِهَا ، وَقَيَّدَ ذَلِكَ عَنْهُمْ مَشْيَخَةُ الْعَرَبِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ : مَا نَنْسَخْ من آيَةٍ أَوْ نَنْسَأْهَا ، أَيْ نُؤَخِّرْهَا ، مَهْمُوزَةٌ ، وَقَدْ تُخَفَّفُ الْهَمْزُ ، كَمَا يُقَالُ خَطِيَّةٌ وَخَطِيئَةٌ ، وَالصَّابِيُونَ وَالصَّابِئُونَ ، وَتَخْفِيفُ الْهَمْزِ أَصْلٌ ، وَنَقْلُ الْحَرَكَةِ أَصْلٌ ، وَالْبَدَلُ وَالْقَلْبُ أَصْلٌ كُلُّهُ لُغَوِيٌّ ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْفَى هَذَا عَلَى الطَّبَرِيِّ .
وَأَمَّا فَصْلُ التَّعَدِّي فَضَعِيفٌ ؛ فَإِنَّ الْأَفْعَالَ الْمُتَعَدِّيَةَ بِالْوَجْهَيْنِ من وُجُوهِ حَرْفِ الْجَرِّ ، وَفِي تَعَدِّيهَا بِهِ ، وَعَدَمِهِ كَثِيرَةٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : كَيْفِيَّةُ النَّسِيءِ : ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جُنَادَةَ بْنَ عَوْفِ بْنِ أُمَيَّةَ الْكِنَانِيَّ كَانَ يُوَافِي الْمَوْسِمَ كُلَّ عَامٍ ، فَيُنَادِي : أَلَا إنَّ أَبَا ثُمَامَةَ لَا يُعَابُ وَلَا يُجَابُ ، أَلَا وَإِنَّ صَفَرًا الْعَامَ الْأَوَّلَ حَلَالٌ ، فَنُحَرِّمُهُ عَامًا ، وَنُحِلُّهُ عَامًا ، وَكَانُوا مَعَ هَوَازِنَ وَغَطَفَانَ وَبَنِي سُلَيْمٍ .
وَفِي لَفْظَةٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إنَّا قَدَّمْنَا الْمُحَرَّمَ وَأَخَّرْنَا صَفَر ، ثُمَّ يَأْتِي الْعَامُ الثَّانِي فَيَقُولُ : إنَّا حَرَّمْنَا صَفَرًا وَأَخَّرْنَا الْمُحَرَّمَ ؛ فَهُوَ هَذَا التَّأْخِيرُ .
الثَّانِي : الزِّيَادَةُ ؛ قَالَ قَتَادَةُ : عَمَدَ قَوْمٌ من أَهْلِ الضَّلَالَةِ فَزَادُوا صَفَرًا فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ، فَكَانَ يَقُومُ قَائِمُهُمْ فِي الْمَوْسِمِ فَيَقُولُ : أَلَا إنَّ آلِهَتَكُمْ قَدْ حَرَّمَتْ الْعَامَ الْمُحَرَّمَ ، فَيُحَرِّمُونَهُ ذَلِكَ الْعَامَ ، ثُمَّ يَقُومُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَيَقُولُ : أَلَا إنَّ آلِهَتَكُمْ قَدْ حَرَّمَتْ صَفَرًا فَيُحَرِّمُونَهُ ذَلِكَ الْعَامَ ، وَيَقُولُونَ : الصَّفَرَانِ .
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ ، وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ نَحْوَهُ قَالَ : كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَجْعَلُونَهُ صَفَرَيْنِ ، فَلِذُلِّك قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : { لَا صَفَرَ } . وَكَذَلِكَ رَوَى أَشْهَبُ عَنْهُ .
الثَّالِثُ : تَبْدِيلُ الْحَجِّ ؛ قَالَ مُجَاهِدٌ بِإِسْنَادٍ آخَرَ : إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ . قَالَ : حَجُّوا فِي ذِي الْحِجَّةِ عَامَيْنِ ، ثُمَّ حَجُّوا فِي الْمُحَرَّمِ عَامَيْنِ ، ثُمَّ حَجُّوا فِي صَفَرَ عَامَيْنِ ، فَكَانُوا يَحُجُّونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَامَيْنِ حَتَّى وَافَتْ حَجَّةُ أَبِي بَكْرٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ، ثُمَّ حَجَّ النَّبِيُّ فِي ذِي الْحِجَّةِ ، فَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي خُطْبَتِهِ : ( إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) . رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ ، وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أَيُّهَا النَّاسُ ، اسْمَعُوا قَوْلِي ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا فِي هَذَا الْمَوْقِفِ أَيُّهَا النَّاسُ ، إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، وَإِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ . وَقَدْ بَلَّغْت ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا ، وَإِنَّ كُلَّ رِبًا مَوْضُوعٌ ، وَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ ، لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ، قَضَى اللَّهُ أَنْ لَا رِبَا ، وَإِنَّ رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ ، وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ ، وَإِنَّ أَوَّلَ دِمَائِكُمْ أَضَعُ دَمَ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيْثٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ ، فَهُوَ أَوَّلُ مَا أَبْدَأُ بِهِ من دِمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ .
أَمَّا بَعْدُ ، أَيُّهَا النَّاسُ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ ، وَلَكِنَّهُ إنْ يُطَعْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تَحْقِرُونَ من أَعْمَالِكُمْ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ ، فَاحْذَرُوهُ -أَيُّهَا النَّاسُ- عَلَى دِينِكُمْ ، وَإِنَّ النَّسِيءَ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا -إلَى قَوْلِهِ- مَا حَرَّمَ اللَّهُ . وَإِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَإِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ، مِنْهَا أَرْبَعَةُ حُرُمٌ ؛ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ . . . ) وَذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي أَوَّلِ مَنْ أَنْسَأَ :
فِي ذَلِكَ كَلَامٌ طَوِيلٌ لُبَابُهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ حَيًّا من بَنِي كِنَانَةَ ، ثُمَّ من بَنِي فُقَيْمٍ مِنْهُمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْقَلَمَّسُ ، وَاسْمُهُ حُذَيْفَةُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ فُقَيْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ ، وَكَانَ مَلِكًا ، فَكَانَ يُحِلُّ الْمُحَرَّمَ عَامًا وَيُحَرِّمُهُ عَامًا ، فَكَانَ إذَا حَرَّمَهُ كَانَتْ ثَلَاثَةُ حُرُمٍ مُتَوَالِيَاتٌ ، وَهَذِهِ الْعِدَّةُ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ فِي عَهْدِ إبْرَاهِيمَ ، فَإِذَا أَحَلَّهُ أَدْخَلَ مَكَانَهُ صَفَرًا ، لِيُوَاطِئَ الْعِدَّةَ ، يَقُولُ : قَدْ أَكْمَلْت الْأَرْبَعَةَ كَمَا كَانَتْ ؛ لِأَنِّي لَمْ أُحِلَّ شَهْرًا إلَّا حَرَّمْت مَكَانَهُ آخَرَ ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ كَذَلِكَ مِمَّنْ كَانَتْ تَدِينُ بِدِينِ الْقَلَمَّسِ ، فَكَانَ يَخْطُبُ بِعَرَفَةَ فَيَقُولُ : ( اللَّهُمَّ إنِّي لَا أُعَابُ وَلَا أُجَابُ ، وَلَا مَرَدَّ لِمَا قَضَيْت ، اللَّهُمَّ إنِّي قَدْ أَحْلَلْت دِمَاءَ الْمُحِلِّينَ من طَيِّئٍ وَخَثْعَمَ ، فَمَنْ لَقِيَهُمَا فَلْيَقْتُلْهُمَا ) فَرَجَعَ النَّاسُ وَقَدْ أَخَذُوا بِقَوْلِهِ .
وَإِنَّمَا أَحَلَّ دِمَاءَ طَيِّئٍ وَخَثْعَمَ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَحُجُّونَ مَعَ الْعَرَبِ ، وَلَا يُحَرِّمُونَ الْحُرُمَ ، وَكَانُوا يَسْتَحِلُّونَهَا ، وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يُحَرِّمُونَ الْحُرُمَ . ثُمَّ كَانَ ابْنُهُ عَلَى النَّاسِ كَمَا كَانَ الْقَلَمَّسُ وَاسْمُهُ عَبَّادٌ ، ثُمَّ ابْنُهُ أَقْلَعُ ، ثُمَّ ابْنُهُ أُمَيَّةُ بْنُ أَقْلَعَ بْنُ عَبَّادٍ ، ثُمَّ ابْنُهُ عَوْفُ بْنُ أُمَيَّةَ ، ثُمَّ ابْنُهُ جُنَادَةُ بْنُ عَوْفٍ كَمَا تَقَدَّمَ ، فَحَجَّ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ ، وَجُنَادَةُ صَاحِبُ ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ، وَأَكْمَلَ الْحُرُمَ ثَلَاثَةً مُتَوَالِيَاتٍ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ .
وَفِي رِوَايَةٍ : الْعَرَبُ كَانَتْ إذَا فَرَغَتْ من حَجِّهَا اجْتَمَعَتْ إلَيْهِ فَحَرَّمَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحِلَّ شَيْئًا مِنْهَا لِغَنِيمَةٍ أَوْ لِغَارَةٍ أَحَلَّ الْمُحَرَّمَ وَحَرَّمَ مَكَانَهُ صَفَرًا ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَذْلٍ الطَّعَّانُ :
لَقَدْ عَلِمَتْ مَعْدٌ أَنَّ قَوْمِي *** كِرَامُ النَّاسِ أَنَّ لَهُمْ كِرَامَا
فَأَيُّ النَّاسِ فَاتُونَا بِوِتْرٍ *** وَأَيُّ النَّاسِ لَمْ تَعْلِك لِجَامَا
أَلَسْنَا النَّاسِئِينَ عَلَى مَعْدٍ *** شُهُورَ الْحِلِّ نَجْعَلُهَا حَرَامًا
وَقَدْ تَقَدَّمَ غَيْرُ هَذَا بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلِهَا .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْإِنْسَاءَ كَانَ عِنْدَ الْعَرَبِ زِيَادَةً وَتَأْخِيرًا وَتَبْدِيلًا ، وَأَقَلُّهُ صِحَّةً الزِّيَادَةُ ، لِقَوْلِهِ : { لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ } ، فَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْإِنْسَاءِ مَا كَانَ تَبْدِيلًا [ أَوْ تَأْخِيرًا ] ، وَأَقَلُّهُ الزِّيَادَةُ .
وَالْمُوَاطَأَةُ هِيَ الْمُوَافَقَةُ ، تَقُولُ الْعَرَبُ : وَاطَأْتُك عَلَى الْأَمْرِ ، أَيْ وَافَقْتُك عَلَيْهِ ، فَكَانُوا يَحْفَظُونَ عِدَّةَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الَّتِي هِيَ أَرْبَعَةٌ ، لَكِنَّهُمْ يُبَدِّلُونَ وَيُؤَخِّرُونَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْمُوَاطَأَةَ عَلَى الْعِدَّةِ تَكْفِي ، وَإِنْ خَالَفَتْ فِي أَعْيَانِ الْأَشْهُرِ الْمُحَرَّمَاتِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَاءُ عِنْدَهُمْ بِالثَّلَاثَةِ الْأَوْجُهِ ، فَذَكَرَ اللَّهُ مِنْهَا الْوَجْهَيْنِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الزِّيَادَةَ ، وَعِظَمَ التَّبْدِيلِ وَالتَّأْخِيرِ ، وَإِنْ وَقَعَتْ الْمُوَافَقَةُ فِي الْعَدَدِ ، فَكَانَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي وَجْهٍ أَزْيَدُ فِي الْكُفْرِ ، وَأَعْظَمُ فِي الْإِثْمِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْله تَعَالَى { زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ } :
قَدْ بَيَّنَّا الْكُفْرَ وَحَقِيقَتَهُ ، وَذَكَرْنَا أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْإِنْكَارِ ، فَمَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا من الشَّرِيعَةِ فَهُوَ كَافِرٌ ؛ وَلِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ، وَالزِّيَادَةُ [ فِيهِ ] وَالنُّقْصَانُ مِنْهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ [ وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ فِي الْإِيمَانِ وَالنُّقْصَانُ مِنْهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ ] ، وَبَيَّنَّا حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَاخْتِلَافَ النَّاسِ فِيهِمَا وَالْحَقَّ من ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ عَلَى وَجْهٍ مُسْتَوْفًى ؛ لُبَابُهُ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ اخْتَلَفُوا فِي الْإِيمَانِ ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هُوَ الْمَعْرِفَةُ قَالَهُ شَيْخُ السَّنَةِ ، وَاخْتَارَهُ لِسَانُ الْأُمَّةِ فِي مَوَاضِعَ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هُوَ التَّصْدِيقُ ؛ قَالَهُ لِسَانُ الْأُمَّةِ أَيْضًا .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هُوَ الِاعْتِقَادُ وَالْقَوْلُ وَالْعَمَلُ . فَمَنْ قَالَ : إنَّهُ الْمَعْرِفَةُ مِنْهُمْ فَقَدْ خَالَفَ اللُّغَةَ ، وَتَجَوَّزَ ظَاهِرَهَا إلَى وَجْهٍ من التَّأْوِيلِ فِيهَا .
وَمَنْ قَالَ : إنَّهُ التَّصْدِيقُ فَقَدْ وَافَقَ مُطْلَقَ اللُّغَةِ ، لَكِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْأَمَانِ قَالَ النَّابِغَةُ :
وَالْمُؤْمِنُ الْعَائِذَاتِ الطَّيْرَ يَمْسَحُهَا *** رُكْبَانُ مَكَّةَ بَيْنَ الْغَيْلِ وَالسِّنْدِ
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ الِاعْتِقَادُ وَالْقَوْلُ وَالْعَمَلُ فَقَدْ جَمَعَ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا ، وَرَكَّبَ تَحْتَ اللَّفْظِ مُخْتَلِفَاتٍ كَثِيرَةً ، وَلَمْ يَبْعُدْ من طَرِيقِ التَّحْقِيقِ فِي جِهَةِ الْأُصُولِ وَلَا فِي جِهَةِ اللُّغَةِ ؛ أَمَّا فِي جِهَةِ اللُّغَةِ فَلِأَنَّ الْفِعْلَ يُصَدِّقُ الْقَوْلَ أَوْ يُكَذِّبُهُ ؛ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ ، وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ ، وَالنَّفْسُ تُمَنَّى وَتَشْتَهِي ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ ) .
فَإِذَا عَلِمَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلْيَتَكَلَّمْ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ ، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِمَا عَلِمَ فَلْيَعْمَلْ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ ، فَيَطَّرِدُ الْفِعْلُ وَالْقَوْلُ وَالْعِلْمُ ، فَيَقَعُ إيمَانًا لُغَوِيًّا شَرْعِيًّا ؛ أَمَّا لُغَةً فَلِأَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ الْفِعْلَ تَصْدِيقًا قَالَ تَعَالَى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْمَاعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا } وَصِدْقُ الْوَعْدِ اتِّصَالُ الْفِعْلِ بِالْقَوْلِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا مَجَازٌ . قُلْنَا : هَذِهِ حَقِيقَةٌ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى جَاءَ قَوْلُهُ : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ } . وَعَلَى ضِدِّهِ جَاءَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ ) .
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الزِّيَادَةِ فِيهِمَا وَالنُّقْصَانِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ وَهِيَ :
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : فَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ الْمَعْرِفَةُ أَوْ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ فَأَبْعَدَ الزِّيَادَةَ فِيهِ وَالنُّقْصَانَ ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ ؛ وَزَعَمُوا أَنَّ الزِّيَادَةَ أَوْ النَّقْصَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَعْرَاضِ ، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الْأَجْسَامِ .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ الْأَعْمَالُ فَتَصَوَّرَ فِيهَا الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ .
وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ : هَلْ يَزِيدُ الْإِيمَانُ وَيَنْقُصُ ؟ فَقَالَ : يَزِيدُ ، وَلَمْ يَقُلْ يَنْقُصُ . وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ عَلَيْهِ .
وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعِلْمَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ ، وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ ، وَالْكُلُّ بَأْجٌ وَاحِدٌ وَحَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ ، لَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ وَلَا يَخْرُجُ وَاحِدٌ مِنْهَا عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا أَعْرَاضًا كَمَا بَيَّنَّا ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَزِيدُ بِذَاتِهِ وَلَا يَنْقُصُ بِهَا ، وَإِنَّمَا لَهُ وُجُودٌ أَوَّلُ ، فَلِذَلِكَ الْوُجُودُ أَصْلٌ ، ثُمَّ إذَا انْضَافَ إلَيْهِ وُجُودٌ مِثْلُهُ وَأَمْثَالُهُ كَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِيهِ ، وَإِنْ عُدِمْت تِلْكَ الزِّيَادَةُ فَهُوَ النَّقْصُ ، وَإِنْ عُدِمَ الْوُجُودُ الْأَوَّلُ الَّذِي يَتَرَكَّبُ عَلَيْهِ الْمِثْلُ لَمْ يَكُنْ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ ؛ وَقَدِّر ذَلِكَ فِي الْعِلْمُ أَوْ فِي الْحَرَكَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إذَا خَلَقَ عِلْمًا فَرْدًا ، وَخَلَقَ مَعَهُ مِثْلَهُ أَوْ أَمْثَالَهُ بِمَعْلُومَاتٍ مُقَدَّرَةٍ فَقَدْ زَادَ عِلْمُهُ ، فَإِنْ أَعْدَمَ اللَّهُ الْأَمْثَالَ فَقَدْ نَقَصَ أَيْ زَالَتْ الزِّيَادَةُ . وَكَذَلِكَ لَوْ خَلَقَ حَرَكَةً وَخَلَقَ مَعَهَا مِثْلَهَا أَوْ أَمْثَالَهَا ، فَإِذَا خَلَقَ اللَّهُ لِلْعَبْدِ الْعِلْمَ بِهِ من وَجْهٍ وَخَلَقَ لَهُ التَّصْدِيقَ بِهِ بِالْقَوْلِ النَّفْسِيِّ ، أَوْ الظَّاهِرِ ، وَخَلَقَ لَهُ الْهُدَى لِلْعَمَلِ بِهِ [ وَلَيْسَ الْعَمَلُ ] ، ثُمَّ خَلَقَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَمْثَالَهُ فَقَدْ زَادَ إيمَانُهُ .
وَبِهَذَا الْمَعْنَى عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فُضِّلَ الْأَنْبِيَاءِ [ عَلَى ] الْخَلْقِ ، فَإِنَّهُمْ عَلِمُوهُ تَعَالَى من وُجُوهٍ أَكْثَرَ من الْوُجُوهِ الَّتِي عَلِمَهُ الْخَلْقُ بِهَا ، فَمَنْ عَذِيرِي مِمَّنْ يَقُولُ : إنَّ الْأَعْمَالَ تَزِيدُ وَتَنْقُصُ وَلَا تَزِيدُ الْمَعْرِفَةُ وَلَا تَنْقُصُ ؛ لِأَنَّهَا عَرَضٌ ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّ الْأَعْمَالَ أَعْرَاضٌ وَالْحَالَةُ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ ؛ وَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ بِالزِّيَادَةِ فِي الْإِيمَانِ فِي مَوَاضِعَ من كِتَابِهِ ، فَقَالَ : { وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إيمَانًا } . { وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى } . وَقَالَ : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمَانًا } .
وَقَالَ فِي جِهَةِ الْكُفَّارِ : { فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلَى رِجْسِهِمْ . . . } . فَأَطْلَق الزِّيَادَةَ فِي الْوَجْهَيْنِ :
وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إنَّ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِعِلْمِهِ وَوَرَعِهِ امْتَنَعَ من إطْلَاقِ النَّقْصِ فِي الْإِيمَانِ لِوُجُوهٍ بَيَّنَّاهَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ ، مِنْهَا : أَنَّ الْإِيمَانَ يَتَنَاوَلُ إيمَانَ اللَّهِ وَإِيمَانَ الْعَبْدِ ؛ فَإِذَا أُطْلِقَ إضَافَةُ النَّقْصِ إلَى مُطْلَقِ الْإِيمَانِ دَخَلَ فِي ذَلِكَ إيمَانُ اللَّهِ ، وَلَا يَجُوزُ إضَافَةُ ذَلِكَ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ ؛ لِاسْتِحَالَتِهِ فِيهِ عَقْلًا ، وَامْتِنَاعِهِ شَرَعَا . وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ إضَافَةُ ذَلِكَ إلَى إيمَانِ الْعَبْدِ عَلَى التَّخْصِيصِ ، بِأَنْ يَقُولَ : إيمَانُ الْخَلْقِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ .
وَمِنْهَا أَنَّ الْإِيمَانَ من الْمَعَانِي الَّتِي يَجِبُ مَدْحُهَا ، وَيَحْرُمُ ذَمُّهَا شَرْعًا ، وَالنَّقْصُ صِفَةُ ذَمٍّ ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى مَا يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ فِيهِ ، وَيَحْرُمُ الذَّمُّ ، فَإِذَا تَحَرَّرَ لَكُمْ هَذَا وَيَسَّرَ اللَّهُ قَبُولَ أَفْئِدَتِكُمْ لَهُ -فَإِنَّهُ مُقَلِّبُ الْأَفْئِدَةِ وَالْأَبْصَارِ- . فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى : وَهِيَ
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ } بَيَانٌ لِمَا فَعَلَتْهُ الْعَرَبُ من جَمْعِهَا بَيْنَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ ، فَإِنَّهَا أَنْكَرَتْ وُجُودَ الْبَارِي ، فَقَالَتْ : ( وَمَا الرَّحْمَنُ ) ؟ فِي أَصَحِّ الْوُجُوهِ . وَأَنْكَرَتْ الْبَعْثَ ، فَقَالَتْ : { مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } . وَأَنْكَرَتْ بَعْثَةَ الرُّسُلِ ، فَقَالَتْ : { أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ . . . } الآية .
وَزَعَمَتْ أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ إلَيْهَا ، فَابْتَدَعَتْ من ذَاتِهَا مُقْتَفِيَةً لِشَهَوَاتِهَا التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ ، ثُمَّ زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ بِأَنْ غَيَّرَتْ دَيْنَ اللَّهِ ، وَأَحَلَّتْ مَا حَرَّمَ ، وَحَرَّمَتْ مَا أَحَلَّ تَبْدِيلًا وَتَحْرِيفًا ، وَاَللَّهُ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ مَا فَعَلَتْ من تَغْيِيرِ الدَّيْنِ وَتَبْدِيلِ الشَّرْعِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : قَوْلُهُ : { زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ } :
أَيْ خَلَقَ لَهُمْ اعْتِقَادَ الْحُسْنِ فِيهَا ، وَهِيَ قَبِيحَةٌ ، فَنَظَرُوا فِيهَا بِالْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ ؛ لِطَمْسِ أَعْيُنِهِمْ وَفَسَادِ بَصَائِرَهُمْ ؛ وَذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ فِي عَدَمِ الْهُدَى لِلْكَافِرِينَ .