قوله تعالى : { قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء } :
اختلف في قوله تعالى : { أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء } فقيل بخس الكيل والميزان الذي تقدم ذكره في السورة {[9321]} وقيل هو تبديل السكك التي يقصد بها أكل أموال الناس . وقيل هو منعهم الزكاة ، وقيل هو قطعهم الدنانير والدراهم ، وهذه مسألة اختلف فيها فلم يجز قطعها جملة قوم {[9322]} وهو أحد قولي مالك ، ولم يجز قوم قطع الصحاح منها خاصة . فأما المقطوع فأجازوا قطعها وهو أحد قولي مالك {[9323]} ولم يجز قوم قطعها إلا عند الحاجة إليها كقطع الثياب . وحكى بعضهم هذا على أنه للمذهب .
وأجاز قوم قطعها جملة ، واحتج بعضهم من لم يجز القطع بالآية المذكورة وما جاء عنه عليه الصلاة والسلام من النهي عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم {[9324]} والسكة الدراهم المضروبة ، وأصلها الحديدة التي تطبع عليها الدراهم فسميت الدراهم بها لأنها ضربت بها . واختلف الذين لم يجيزوا القطع في وجه ذلك ، فقيل لما في الدراهم والدينار من ذكر الله فكره قرضها لذلك ، وإليه ذهب أحمد بن حنبل . قال أبو داود : قلت لأحمد معي درهم صحيح وقد حضر سائل أأكسره ؟ {[9325]} قال : لا . وقيل بل المعنى فيه كراهية التدنيق {[9326]} وذمه . وكان الحسن يقول لعن الله الدانق . وأول من أحدث الدانق{[9327]} فلان ، ما كانت العرب تفعله ولا أبناء الفرس . وقيل إنما لم يجز لأنه يضع من قيمته وقد نهى عن إضاعة المال . والذين أجازوا القطع تأولوا الآية على غير ذلك أو تأولوها عليه ولم يروها لهم لازمة لأنها{[9328]} إنما جازت في شرع غيرنا ، وتأولوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم : إنما نهى عن كسره على أن يعاد تبرا ، فأما أن يرصده لنفقته فلا ، وإلى هذا ذهب محمد بن عبد الله الأنصاري {[9329]} قاضي البصرة {[9330]} وقال بعضهم إن المغابنة {[9331]} كانت تجري بها في صدر الإسلام عددا لا ورقا . وكان بعضهم يكسرها ويأخذ أطرافها قرضا بالمقراض وكان ذلك سبب النهي ، فرجع هذا القول إلى أنه إنما نهى عن ذلك خوف التدليس ، فإذا أمن جاز . ولا خلاف أنه إذا دلس به لم يجز قطعه . وقد روي مثل هذا في قصة الآية . وقال بعضهم قد يكون ذلك أيضا بأن يكسره فيتخذ منه أواني وزخر ونحوها فلذلك نهى عنه .