قوله تعالى : { الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار ( 8 ) } :
قوله تعالى : { وما تغيض } معناه وما تنقص ، وذلك أنه من معنى قوله : { وغيض الماء } [ هود : 44 ] وهو بمعنى النضوب وهو هنا {[9468]} بمعنى زوال شيء عن الرحم . ثم اختلف المفسرون في هذه الزيادة والنقصان . فقيل غيض الرحم إراقتها الدم على الحمل . وإذا كان ذلك ضعف الولد في البطن وشحب ، فإذا بلغت الحامل تسعة أشهر لم تضع ويبقى الولد في بطنها زيادة من الزمان يكمل فيها من جسمه وصحته ما نقص بإراقة الدم . وهذا هو معنى قوله : { وما تغيض الأرحام وما تزداد } قاله مجاهد . وقيل غيضه نضوب الدم منه وإمساكه بعد عادة إرساله بالحيض ، فيكون قوله تعالى : { وما تزداد } بعد ذلك جاريا مجرى تغيض على غير مقابله {[9469]} . بل غيض الرحم هو بمعنى الزيادة فيه . وقيل غيض الرحم إسقاطها الولد والزيادة أن تضعه كاملا في مدة كاملة ، وهو قول الضحاك . وقيل غيض الرحم ما يسقط قبل التسعة وما تزداد ما تضع بعد التسعة {[9470]}
ففي هذه الآية تفسير على دليل مجاهد أن الحامل تحيض ، وهي مسألة اختلف فيها . فذهب مالك والشافعي إلى أنها قد{[9471]} تحيض على الحمل ، فما تراه المرأة من الدم وهي حامل فهو حيض . وقال عطاء والشعبي {[9472]} وغيرهما {[9473]} إنها لا تحيض ، وما تراه الحامل من الدم فليس بحيض {[9474]} . قالوا ولو كان حيضا لما صح استبراء الأمة بحيضة {[9475]} وهو إجماع {[9476]} . وحجة القول الأول الآية . وقد روي عن مالك ما يدل أن الحامل لا تحيض . وفي الآية أيضا دليل على أن الحمل قد يوضع لأقل من تسعة أشهر ولأكثر ، إلا أنهم أجمعوا على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وانتزعوا ذلك من قوله تعالى : { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } [ الأحقاف : 15 ] مع قوله : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } [ البقرة : 233 ] .
واختلفوا في أكثره ، فقال ابن عبد الحكم أكثره تسعة {[9477]} وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وغيرهم : أكثره حولان {[9478]} . وقال قوم أكثره ثلاثة أعوام ، وإليه ذهب الليث بن سعد .
وقال الشافعي – وهو ظاهر قول مالك في غير موضع – أكثره أربعة أعوام . وقال ابن القاسم أكثره خمسة أعوام ، وروي عن مالك . وقال مالك في رواية أشهب عنه : أكثره سبعة أعوام وأن ابن عجلان ولدت امرأته لسبعة أعوام {[9479]} . وحجة هذا القول الآية على {[9480]} ما قدمناه . وروي أن {[9481]} الضحاك بن مزاحم بقي حولين في بطن أمه ، قال : ولدت وقد نبتت ثناياي . وروي أن عبد الملك بن مروان {[9482]} ولد لستة أشهر . وذكر أن مالكا وضعته أمه لسنتين وقيل لثلاث سنين .