قوله تعالى : { ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا . . . } ، إلى قوله تعالى : { إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون } .
اختلف في السكر ، ما هو ؟ فقيل ، هو : ما يسكر {[9540]} . واختلف الذين ذهبوا إلى هذا ، هل الآية محكمة أو منسوخة ؟ فذهب جماعة إلى أنها منسوخة ، وإنما اقتضت تحليل الخمر ، فنسخت بآية المائدة في تحريم الخمر {[9541]} . وذهب جماعة إلى أنها محكمة ، وأن الآية لا تعطي تحليل السكر ، وإنما تعطي أنهم يتخذون منها ذلك ، على أنه حلال لهم {[9542]} . وقيل : السكر ما يطعم ، ورجح الطبري هذا القول . وقيل : السكر ما سد الجوع . وقيل : السكر المائع من هاتين الشجرتين ، كالخل والرف والنبيذ ، وهو قول مجاهد ، والشعبي أيضا . والآية على هذه الأقوال الثلاثة ، محكمة بلا خلاف . واختلف في الرزق الحسن ، ما هو ؟ فقال : من زعم أن السكر الخمر ، هو جميع ما يشرب ويؤكل حلالا من هاتين الشجرتين ، وهو قول ابن عباس ، وابن جبير ، وإبراهيم ، والشعبي أيضا . وقال من ذهب إلى أن السكر المائع كما ذكرنا ، هو : العنب والتمر . ولا اختلاف في أن الخمر إذا تخللت من ذاتها أنها تؤكل . واختلف هل يجوز تخميرها أم لا على ثلاثة أقوال : المنع ، والجواز ، والفرق بين أن يقتني الخمر فيخلل أو يتخمر عصير لم يقصد به الخمر فيخلل . فلا يجوز الأول ، ويجوز الثاني . والدليل لمن أجاز التخليل ، قوله تعالى : { تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا } ، على قول من فسر السكر ، أو الرزق الحسن ؛ لأنه الخل ونحوه . وإذا قلنا بالمنع من تخليلها ، فتخللت ، ففي جواز أكلها ثلاثة أقوال : المنع ، والجواز ، والفرق بين ما وضعت للخمر وبين ما لم توضع له ، والفرق في هذا ، قول سحنون . والقولان الآخران لمالك . والدليل للجواز : ما قدمناه من أن الآية أيضا على التفسير المذكور ؛ لأنه إذا جعلنا السكر : الخل ونحوه من المائع {[9543]} ، والرزق الحسن : جميع ما يؤكل ويشرب من الشجرتين المذكورتين . فإطلاق لفظ الاتخاذ على ذلك ، يدل على جواز التخليل ، والأكل بعد التخليل ، من غير تفصيل .