37 قوله تعالى : { وكفلها زكريا } : |آل عمران : 37|
أصل في الحضانة ، ومعنى كفلها زكرياء{[2297]} أي ضمها إليه وقام بأمرها{[2298]} وقرئ { وكفلها } بالتشديد ، زكرياء بالنصب ، أي : أوجب كفالتها بالقرعة التي أخرجتها له . والآية أظهرها{[2299]} لخصومه فيها . وذلك أن زكرياء عليه السلام{[2300]} وخصومه فيها لما تنازعوا أيهم يكفلها تساهموا بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة . وقيل : بأقلام بروها كالقداح . وقيل بعصيّ لهم فرموا بها في نهر الأردن ، فصعد{[2301]} قلم زكرياء بالجرية وانحدرت قداح الآخرين{[2302]} . وقيل : أن أقلام القوم عامت{[2303]} على الماء معروضة كما تفعل العيدان وبقي قلم زكرياء موتدا{[2304]} واقفا كأنما ركز في طين ، فكفلها زكرياء عليه السلام بهذا{[2305]} الاستهام ؛ فذلك قوله تعالى : { وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم } {[2306]} الآية [ آل عمران : 44 ] ، وكان زكرياء قد قال لهم : أنا أحق بها منكم ؛ لأن عندي أختها أو خالتها{[2307]} على اختلاف في ذلك ؛ لأنه قيل : إن زوجته أم يحيى كانت خالة مريم وقيل : أختها فحكم الله تعالى بها لزكرياء لموضع أختها أو خالتها وعلى هذا شرعنا ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قضى بابنة حمزة{[2308]} {[2309]} لجعفر بن أبي طالب{[2310]} إذ تنازع{[2311]} علي بن أبي طالب وجعفر وزيد بن حارثة فقال علي : هي {[2312]} ابنة عمي ، وعندي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا أحق بها .
وقال جعفر{[2313]} : هي ابنة عمي وعندي خالتها ، فأنا أحق بها . وقال زيد بن حارثة{[2314]} : هي ابنة أخي ، وتجشمت{[2315]} لها السفر . وكان قد خرج إليها{[2316]} حين أصيب حمزة فأقدمها . وعلى هذا مذهبنا أن الحاضنة إذا كان زوجها وليا من أولياء المحضون فهي أحق به من سائر الأولياء ، وإن كان زوجها أبعد منهم ، إلا على مذهب ابن وهب في أن الزوج يسقط حضانة الحاضنة{[2317]} ، وإن كان ذا رحم{[2318]} من المحضون .
اختلف في السبب الذي كفلها له زكرياء ، فالأصح أنها كانت يتيمة توفيت{[2319]} أمها وتركتها صغيرة .
وذكر قتادة وغيره : أنهم كانوا يتشاءمون في ذلك الزمان في المحرر عند من يكون من القائمين بأمر المسجد ، فيتساهمون{[2320]} عليه ، وأنهم فعلوا ذلك في مريم .
وقال ابن إسحاق {[2321]} : إنها لما ترعرعت{[2322]} أصابت بني إسرائيل مجاعة فقال لهم زكرياء : قد{[2323]} عجزن عن إنفاق مريم فاقترعوا على من يكفلها ففعلوا ، فخرج السهم على رجل يقال له : جريج ، فجعل ينفق عليها وحينئذ{[2324]} ، كان زكرياء يدخل عليها المحراب عند جريج فيجد عندها الرزق .